أو غرابة أو فائدة، قال الذهبي في ترجمة إبراهيم بن إسحاق الحربي " ت 285 ه " وهو الحافظ الإمام العلم " يظهر في تصانيف الحربي أنه ينزل في أحاديث، ويكثر مها، وهذا يدل على أنه لم يزل طلابة للعلم " (1).
والإمام الذهبي الذي يصف ابن أبي الدنيا بالوصف المتقدم، ويعتب عليه إكثاره، هو نفسه صنع ما صنعه ابن أبي الدنيا، وأوتي من الإقبال على سماع الحديث والنهمة في طلبه ما جعله يقول عن نفسه في ترجمة علي بن مظفر الإسكندراني " ت 716 ه ". " ولم يكن عليه ضوء في دينه، حملني الشرة على السماع من مثله والله يسامحه كان يخل بالصوات، ويرمى بعظائم الأمور " (2) (قال عن شيخ آخر من شيوخه: أنه كان من عوام الطلبة (3): بل دفعه حبه للإكثار من الشيوخ أن يسمع من الشيخ محمود بن محمد الخرائطي " ت 716 ه (وكان به صمم فقال: قرأت عليه بأعلى صوتي في أذنه " (4).
5 - أما اعتذار الإمام الذهبي عن أبي أبى الدنيا فيما نقده عليه بأنه كان قليل الرحلة، فإنه غير مسلم، فليس كل من قلت رحلته نزل سنده. واضطر إلى الرواية عمن دونه، فهناك عشرات من الأئمة والحفاظ ممن صنع صنيع ابن أبي الدنيا، ولم يرحل، واكتفى بجمع حديث بلده، لا سيما إذا كان بلده يموج بالعلم والعلماء كما كان عليه الحال ببغداد وقتها، وممن صنع مثل هذا من الأئمة الإمام ابن الأخرم أبو عبد الله محمد بن يعقوب النيسابوري " ت 344 ه " وهو حافظ متقن قال الذهبي: " وجمع فأوعى، ومع حفظه وسعة علمه لم يرحل في طلب الحديث، بل قنع بحديث بلده " (5).
وكذلك الحافظ الكبير أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي " ت 597 ه " فإنه لم يرحل عن بغداد لطلب العلم، واكتفى بجمع العلم من شيوخها " (6) الوافرين كثرة، حتى أصبح إماما كبيرا وحافظا عظيما. قال ناصح الدين ابن الحنبلي: اجتمع فيه من العلوم ما لم يجتمع في غيره " (7).