إذ أننا رغم كل ما قدمناه من الدفاع عنه فإن قلة الرحلة عند ابن أبي الدنيا أضرت به كثيرا، فاضطر إلى رواية بعض الأحاديث الصحيحة الثابتة من طريق شيخ فيه كلام، لأنه فاته سماعه من حافظ ثقة، فلما احتجاج إليه اضطر إلى روايته كيفما اتفق، وهذا قليل جدا - كما ذكرت -، ولعله أراد أن يخرجه من طريق آخر، فيه غرابة أو نكتة زائدة، فإنه حافظ كبير، ونصف شيوخه أو أكثرهم من شيوخ البخاري ومسلم والله أعلم.
والذي يشفع لابن أبي الدنيا أنه ضم إلى كونه محدثا مهمة علاج أدواء المجتمع الإسلامي فكان حامل لواء الأخلاق والمثل، وكان مؤرخا (1) يتتبع الأخبار والسير، وكان أديبا مولعا بالشعر والأدب وزاهدا عبادا يتتبع أخبار الزهد والرقائق، ومن كثرت اختصاصاته خف تركيزه. ورغم هذا فابن أبى الدنيا إمام علم في هذه الفنون جميعها، ويكفيه ما خلف فيها من الآثار، والتي تعد مفخرة له، ومفخرة لسلفنا وتراثنا وديننا. رحم الله علماء سلف الأمة.
وبارك في خلفها وألحقنا بالصالحين منهم.
* * *