وابن أبي الدنيا وإن كان قليل الرحلة لظروف لم تسعفنا المصاد لمعرفتها فإنه استطاع بفضل توجيه المبكر من قبل أسرته، وهمته العالية أن يعوض ذلك، فجمع أبرز ما في الرحلة من فضل، وهو غزارة العلم وعلو الإسناد.
فأما تحصيله العلمي وتكوينه فيه، فإنه كان من أوعيته، وليس أدل عليه من هذه المصنفات التي وضعها في كل فن من فنون العلم، وهذه الكثرة الكاثرة من المشايخ الذين سمع منهم، وقد بلغ عددهم في " كتاب الصمت " وحده أكثر من مائتي شيخ، وبهذا شهد له الأئمة، قال القاضي إسماعيل بن إسحاق يوم مات ابن أبي الدنيا: " رحم الله ابن أبي الدنيا مات معه علم كثير " (1) وشهد له الذهبي بتوسعه في العلم والأخبار (2).
أما علو الإسناد، فله في " كتاب الصمت " - فضلا عن غيره - أسانيد علاية - بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أنفس، وقد وصف الذهبي بعض حديثه فقال: " حديثه في غاية العلو " (3).
6 - قال الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي: " رحم الله أبا بكر بن أبي الدنيا، كنا نمضي إلى عفان نسمع منه فنرى ابن أبي الدنيا جالسا مع محمد بن الحسين البرجلاني خلف شريجة، يكتب عنه ويدع عفان " (4).
وعفان هذا هو ابن مسلم الصفار أبو عثمان البصري الحافظ الثبت من كبار المحدثين، اختلط سنة 219 ه فأنكره الأئمة، قال أبو خيثمة ويحيى بن معين " أنكرنا عفان في صفر لأيام خلون منه سنة تسع عشرة ومائتين " (5).
توفى سنة " 220 ه " أو قبلها.
ومحمد بن الحسين البرجلاني، حافظ فاضل صاحب زهد ورقائق، وقد