إلا أن صالح جزره قال: كذاب، وقال الخطيب: لم يكن يوثق به، وقال أحمد بن سيار المروزي، كان آية من الآيات في الحفظ، وكان لا يكلمه أحد إلا علاه في كل فن. وقال ابن عدي: لا أرى حديثه يشبه حديث أهل الصداق " (1).
فاستبان لنا أن الرجل ضعيف، ولكنه حافظ كبير، بارع في فنون العلم، وهبة متهما بإجماع الأمة ومتروكا، فإن ذلك ليس بقادح في من روى عنه من الحفاظ الكبار، وقد روى ابن أبي الدنيا عن رجل آخر اسمه محمد بن إسحاق الضبي، وقد تركه ابن أبي حاتم (2) وروى عن جمهور عريض من المشايخ في بعضهم ضعف متفاوت - فما الغرابة في ذلك وقد درج المحدثون على ذلك، فإنهم قد يتحملون الحديث والعلم عن الشيوخ عامة، فإذا حدثوا بالحلال والحرام تشددوا، وإذا حدثوا بفضائل الأعمال تساهلوا، وقد يوردون هذه الطرق الضعيفة في باب المتابعات والشواهد. أو يحملون عنهم ولا يؤدون.
فانتقاد الأئمة لابن أبي الدنيا لسماعه من محمد بن إسحاق أو غيره، فيه تهويل لأمر شاركه فيه الأئمة من المحدثين، فالإمام أحمد بن حنبل قد روى عن علي بن مجاهد بن مسلم القاضي الكابلي، وهو من شيوخه المباشرين، وليس في شيوخه أضعف منه، قال ابن معين: كان يضع الحديث. وكذبه يحيى بن الضريس، وقال السليماني: فيه نظر، وقال ابن حجر: متروك (3). والترمذي أخرج لعطاء بن العجلان الحنفي وهو متروك، بل أطلق عليه بان معين والفلاس وغيرهما الكذب " (4). وأخرج ابن ماجة في سننه لعلي بن حزور بن أبي فاطمة الكوفي، وهو متروك (5) وعشرات غيرهم من الضعفاء والمتروكين والمجاهيل أخرج لهم أصحاب السنن الأربعة،