عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ١٤٩
فأشهد الله لأجلكما أن أرد عنكما الطلب، وقيل: بالجر أيضا بنزع الخافض، والتقدير: إقسم بالله لكما بأن أرد الطلب، وهو جمع طالب، وفي (شرح السنة): أقسم بالله لكما على الرد. قوله: (فنجا)، أي: من الارتطام. قوله: (ألا قال: كفيتكم)، ويروى: كفيتم. قوله: (ما هنا)، يعني: ما هنا الذي تطلبونه. قوله: (فلا يلقى أحدا إلا رده)، بيان قوله: ما هنا. قوله: (ووفى لنا)، أي: وفي سراقة بما وعده من رد الطلب.
وفي هذا الحديث معجزة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفضيلة لأبي بكر، رضي الله تعالى عنه. وفيه: خدمة التابع للمتبوع واستصحاب الركوة في السفر، وفضل التوكل على الله تعالى، وأن الرجل الجليل إذا نام يدافع عنه. وقال الخطابي: استدل به بعض شيوخ السوء من المحدثين على الأخذ في الحديث، لأن عازبا لم يحمل الرحل حتى يحدثه أبو بكر بالقصة، وليس الاستدلال صحيحا، لأن هؤلاء اتخذوا الحديث بضاعة يبيعونها ويأخذون عليها أجرا وأما ما التمسه أبو بكر من تحميل الرحل فهو من باب المعروف والعادة المقررة أن تلامذة التجار يحملون الأثقال إلى بيت المشتري، ولو لم يكن ذلك لكان لا يمنعه إفادة القصة، قال تعالى: * (اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون) * (ي 1764; س: 12).
6163 حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد العزيز بن مختار حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال لا بأس طهور إن شاء الله فقال له لا بأس طهور إن شاء الله قال قلت طهور كلا بل هي حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور فقال النبي صلى الله عليه وسلم فنعم إذا..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فنعم إذا) من حيث إن الأعرابي لما رد على النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (لا بأس طهور، إن شاء الله) مات على وفق ما قاله، صلى الله عليه وسلم، وهذا من معجزاته، صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: ووجه دخوله في هذا الباب أن في بعض طرقه زيادة تقتضي إيراده في علامات النبوة أخرجه الطبراني وغيره من رواية شرحبيل، والد عبد الرحمن، فذكر نحو حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، وفي آخر: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إذا أبيت فهي كما تقول، وقضاء الله كائن، فما أمسى من الغد إلا ميتا. انتهى. قلت: الذي ذكرنا أوجه لأن الذي ذكره هو حاصل قوله: (فنعم إذا) وتوجيه المطابقة من نفس الحديث أوجه من توجيهها من حديث آخر، هل البخاري وقف عليه أم لا؟ وهل هو على شرطه أم لا؟ وعبد العزيز بن المختار، بالخاء المعجمة: الأنصاري الدباغ، مر في الصلاة، وخالد هو ابن مهران الحذاء.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن إسحاق عن خالد، وفي التوحيد عن محمد بن عبد الله. وأخرجه النسائي في الطب وفي اليوم والليلة عن سوار بن عبد الله.
قوله: (على أعرابي) قال الزمخشري في (ربيع الأبرار): اسم هذا الأعرابي، قيس، فقال في: باب الأمراض والعلل: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على قيس بن أبي حازم يعوده، فذكر القصة، وقال بعضهم: لم أر تسميته لغيره فهذا إن كان محفوظا فهو غير قيس بن أبي حازم أحد المخضرمين، لأن صاحب القصة مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقيس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في حياته قلت عدم رؤيته ذلك لا ينافي رؤية غيره مع أن بعضهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخطب. قوله: (يعوده في الموضعين) جملة حالية. قوله: (إن شاء الله) بمعنى الدعاء. قوله: (قال: قلت) أي: قال الأعرابي مخاطبا للنبي صلى الله عليه وسلم قلت: طهور. قوله: (كلا) أي: ليس بطهور. فأبى وسخط فلا جرم، أماته الله. قوله: (أو تثور)، بالثاء المثلثة شك من الراوي قوله: (تزيره)، بضم التاء المثناة من فوق من أزاره إذا حمله على الزيارة. قوله: (فنعم إذا) أي: نعم بإزارة القبور حينئذ، ويجوز أن يكون الشارع قد علم أنه سيموت من مرضه. فقوله: (طهور إن شاء الله) دعاء له بتكفير ذنوبه، ويجوز أن يكون أخبر بذلك قبل موته بعد قوله.
وقال صاحب (التوضيح): في قوله: (لا بأس طهور) فيه دلالة على أن الطهور هو المطهر خلافا لأبي حنيفة في قوله: الطهور هو الطاهر. قلت: ليت شعري من نقل هذا عن أبي حنيفة، وكيف يقول ذلك والطهور صيغة مبالغة فإذا كان بمعنى طاهر يفوت المقصود.
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»