عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ١٥٢
في الأمر، ثم جعل يسجع لهم السجعات مضاهيا للقرآن، فأصعقت على ذلك بنو حنيفة، وقتل في أيام أبي بكر الصديق في وقعة اليمامة، قتله وحشي، قاتل حمزة كما ذكرناه، وكان عمره حين قتل مائة وخمسين سنة. قوله: (فأقبل إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم) تالفا له ولقومه رجاء إسلامهم وليبلغ ما أنزل إليه، وقال القاضي عياض: يحتمل أن سبب مجيئه أن مسيلمة قصده من بلده للقائه فجاءه مكافأة، قال: وكان مسيلمة حينئذ يظهر الإسلام، وإنما ظهر كفره بعد ذلك قوله: (ومعه ثابت بن قيس بن شماس) خطيب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان يجاوب الوفود عن خطبهم. قوله: (وفي يد رسول الله، صلى الله عليه وسلم) الواو فيه للحال. قوله: (لن تعدو أمر الله فيك) أي: خيبتك فيما أملته من النبوة وهلاكك دون ملكك، أو فيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك، ويروى: لن تعد، بحذف الواو للجزم، والجزم: بلن، لغة حكاها الكسائي. قوله: (ولئن أدبرت) أي: عن طاعتي (ليعقرنك الله) أي: ليقتلنك ويهلكك، وأصله من عقر الإبل ضرب قوائمها بالسيف وجرحها، وكان كذلك قتله الله عز وجل يوم اليمامة. قوله: (وإني لأراك) بضم الهمزة أي: لأظنك الشخص الذي رأيت في المنام في حقك ما رأيته.
قوله: (فأخبرني أبو هريرة) أي: قال ابن عباس: أخبرني أبو هريرة، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم... إلى آخره، وفي مسلم: وإني لأراك الذي أريت قبل ما أريت، وهذا ثابت يجيبك عني ثم انصرف عنه، فقال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم وإني لأراك الذي أريت، فأخبرني أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين... الحديث، وهذا يعد من مسند أبي هريرة دون ابن عباس، فلذلك ذكره الحافظ المزي في مسند أبي هريرة. قوله: (سوارين من ذهب) بضم السين وكسرها، وقال النووي: قال أهل اللغة: أسوار أيضا بضم الهمزة وفيه ثلاث لغات. وفي (التوضيح): قوله: من ذهب للتأكيد، لأن السوار لا يكون إلا من ذهب، فإن كان من فضة فهو: قلب، قوله: (فأهمني شأنهما) أي: أحزنني أمرهما. قوله: (أن أنفخهما) أي: أنفخ السوارين، وهو أمر من النفخ، فلما أمر بالنفخ نفخهما، وتأويل نفخهما أنهما قتلا بريحه، أي: أن الأسود ومسيلمة قتلا بريحه، والذهب زخرف يدل على زخرفهما، ودلا بلفظهما على ملكين لأن الأساورة هم الملوك، وفي النفخ دليل على اضمحلال أمرهما، وكان كذلك. قوله: (فأولتهما) أي: السوارين. قوله: (يخرجان بعدي) قال النووي: أي: يظهران شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة، وإلا فقد كانا في زمنه. انتهى. وقد ذكرنا أن المراد بعد دعواي النبوة، أو بعد ثبوت نبوتي. قوله: (فكان أحدهما) أي: أحد السوارين في التأويل: العنسي، بفتح العين المهملة وسكون النون وبالسين المهملة، وهو نسبة الأسود الصنعاني الذي ادعى النبوة، وقيل: اسمه عبلة، بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة ابن كعب، وكان يقال له: ذو الخمار، لأنه زعم أن الذي يأتيه ذو الخمار، قتله فيروز الصحابي الديلي بصنعاء، دخل عليه فحطم عنقه، وهذا كان في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه على الأصح والمشهور، وبشر رسول الله، صلى الله عليه وسلم الصحابة بذلك، ثم بعده حمل رأسه إليه، وقيل: كان ذلك في زمن الصديق، رضي الله تعالى عنه، والعنسي نسبة إلى عنس، قال الرشاطي: اسمه زيد بن مالك بن أدد، ومالك هو جماع مذحج، قال ابن دريد: العنس الناقة الصلبة. قوله: (والآخر) أي: السوار الأخر في التأويل مسيلمة الكذاب. قوله: (اليمامة) بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميمين: وهي مدينة باليمن على أربع مراحل من مكة، شرفها الله، ومرحلتين من الطائف، قيل: سميت بذلك باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، يقال: هو أبصر من زرقاء اليمامة، فسميت اليمامة لكثرة ما أضيف إليها، والنسبة إليها: يمامي.
2263 حدثني محمد بن العلاء حدثنا حماد بن أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده أبي بردة عن أبي موسى أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ثم هززته بأخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»