قيل: هو أشبه بالصواب، لأن سعد بن عبادة من قبيلة ثابت بن قيس، فهو أشبه أن يكون جاره من سعد بن معاذ لأنه من قبيلة أخرى. قوله: (أنا أعلم لك)، هكذا رواية الأكثرين، وقال الكرماني: كلمة ألا، للتنبيه أو تكون الهمزة في: ألا للاستفهام وفي بعضها: أنا أعلم. قلت: كأن النسخ التي وقعت عندهم ألا أعلم، موضع: أنا أعلم، فلذلك قال كلمة: ألا، للتنبيه، أو تكون الهمزة في ألا للاستفهام، ثم أشار إلى رواية الأكثرين، وهي: أنا أعلم، بقوله: وفي بعضها أنا أعلم قوله: (لك) أي: لأجلك. قوله: (علمه) أي: خبره. قوله: (فأتاه) أي: فأتى الرجل المذكور ثابت بن قيس فوجده جالسا في بيته. وقوله: (جالسا ومنكسا) حالان مترادفان أو متداخلان، (ورأسه) منصوب بقوله: منكسا. قوله: (ما شأنك) أي: ما حالك؟ قوله: (فقال: شر) أي: فقال ثابت حالي شر. قوله: (كان يرفع صوته) هذا التفات ومقتضى الحال إن يقول: كنت أرفع صوتي، ولكنه التفت من الحاضر إلى الغائب، قوله: (فقد حبط عمله) أي: بطل، وكان القياس فيه أيضا أن يقول؛ فقد حبط عملي، وكذا قوله: (وهو من أهل النار) والقياس فيه: وأنا من أهل النار. قوله: (فأتى الرجل فأخبره) أي: فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا، وكان ثابت لما نزلت * (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) * (الحجرات: 2). جلس في بيته وقال: أنا من أهل النار، وفي رواية لمسلم: فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا. قوله: (فقال موسى بن أنس)، وهو الراوي المذكور عن أبيه أنس. قوله: (فرجع المرة الآخرة) أي: فرجع الرجل المذكور، ويروى: المرة الأخرى، قوله: (ببشارة) بضم الباء وكسرها والكسر أشهر، وهي: الخبر السار سميت بذلك لأنها تظهر طلاقة الإنسان وفرحه. قوله: (فقال: إذهب إليه) بيان البشارة أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل المذكور، إذهب إلى ثابت بن قيس فقل له... إلى آخره. فإن قلت: فيه زيادة العدد على المبشرين بالجنة. قلت: التخصيص بالعدد لا ينافي الزائد، أو المراد بالعشرة الذين بشروا بها دفعة واحدة، أو بلفظ البشارة، وكيف لا والحسن والحسين وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الجنة قطعا؟ ونحوهم.
2163 حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى هو القطان وإسماعيل بن أبي خالد، وقيس بن أبي حازم البجلي، وخباب، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى: ابن الأرت، بفتح الهمزة والراء وبالتاء المثناة من فوق، كان سادس ستة في الإسلام مات بالكوفة، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن مسدد وفي مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، عن الحميدي. وأخرجه أبو داود في الجهاد عن عمرو بن عون وعن خالد بن عبد الله. وأخرجه النسائي في العلم عن عبدة ابن عبد الرحمن وفي الزينة عن يعقوب بن إبراهيم وابن المثنى ببعضه.
قوله: (وهو متوسد) والواو فيه للحال (وبردة) منصوبة به وهي نوع من الثياب معروف، وكذلك البرد. قوله: (ألا تستنصر) أي: ألا تطلب النصرة من الله لنا على الكفار، وهذا بيان لقوله: شكونا، وكلمة: ألا في الموضعين للحث والتحريض. قوله: (بالمنشار) بكسر الميم وسكون النون: وهو آلة نشر الخشب، ويقال أيضا: الميشار، بالياء آخر الحروف الساكنة موضع النون، من نشرت الخشبة إذا قطعتها. قوله: (ما دون لحمه)، أي: تحت لحمه أو عند لحمه. قوله: (ليتمن)، بفتح اللام وبالنون الثقيلة. قوله: (من صنعاء إلى حضرموت)، قال الكرماني: وصنعاء بفتح الصاد المهملة، وسكون النون وبالمد: قاعدة اليمن ومدينته العظمى، و: حضرموت، بفتح الحاء المهملة وسكون المعجمة وفتح الراء والميم: بلدة أيضا باليمن، وجاز في مثله بناء الإسمين وبناء الأول وإعراب الثاني. فإن قلت: لا مبالغة فيه لأنهما بلدان متقاربان. قلت: الغرض بيان انتفاء الخوف من الكفار على المسلمين، ويحتمل أن يراد بها صنعاء الروم أو صنعاء دمشق: قرية في جانبها الغربي في ناحية الربوة. قال الجوهري: حضرموت اسم قبيلة أيضا. انتهى كلامه. قلت: قال ياقوت في (المشترك): صنعاء اليمن أعظم مدنها وأجلها تشبه دمشق في كثرة البساتين والمياه، وصنعاء قرية على باب دمشق من ناحية باب الفراديس واتصلت حيطانها بالعقبية وهي محلة في ظاهر دمشق. قلت: قوله لأنهما بلدان متقاربان، وليس كذلك، لأن بين عدن وصنعاء ثلاث مراحل، وبين حضرموت والشحر أربعة أيام، وبينه وبين عدن مسافة بعيدة، فعلى هذا يكون بين صنعاء وحضرموت أكثر من أربعة أيام. قوله: (أو الذئب) عطف على الاسم الأعظم، وإن أحتمل أن يعطف على المستثنى منه المقدر. قوله: (ولكنكم تستعجلون) وحاصل المعنى: لا تستعجلوا فإن من كان قبلكم قاسوا ما ذكرنا فصبروا، وأخبرهم الشارع بذلك ليقوى صبرهم على الأذى.
3163 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أزهر بن سعد حدثنا ابن عون قال أنبأنا موسى ابن أنس عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه فقال ما شأنك فقال شر كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا فقال موسى بن أنس فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة. (الحديث 3163 طرفه في: 6484).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة)، لأن هذا أمر لا يطلع عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعيش حميدا ويموت شهيدا، فلما كان يوم اليمامة ثبت حتى قتل، وروى ابن أبي حاتم في (تفسيره): من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس، وفي قصة ثابت بن قيس، فقال في آخرها: قال أنس: قلنا: نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض الانكشاف، فأقبل وقد تكفن وتحنط فقاتل حتى قتل.