مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وأخرجه من طريقين. أحدهما: عن مسدد عن يزيد بن زريع العبسي البصري عن عبد الله بن عون بن أرطبان البصري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة. والآخر: عن مسدد عن يزيد ابن زريع عن عبد الله بن عون عن إبراهيم النخعي عن الأسود النخعي عن عائشة. وأخرجه مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. قال: حدثنا ابن علية عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن أم المؤمنين، وعن القاسم (عن أم المؤمنين قالت: قلت يا رسول الله! يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد؟ قال: انتظري فإذا طهرت فأخرجي إلى التنعيم فأهلي منه، ثم ألقينا عند كذا وكذا، قال: أظنه قال: غدا، ولكنها على قدر نصبك أو نفقتك). وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي عن ابن عون عن القاسم وإبراهيم، قال: لا أعرف حديث أحدهما من الآخر، إن أم المؤمنين قالت: يا رسول الله يصدر الناس بنسكين... فذكر الحديث. وأخرجه النسائي في الحج أيضا عن أحمد بن منيع عن إسماعيل بن علية عنه بالإسنادين جميعا عن أم المؤمنين، وقال: لا أحفظ حديث هذا من حديث هذا. وعن الحسن بن محمد الزعفراني عن حسين بن حسن عن ابن عون عن القاسم وإبراهيم كلاهما، عن أم المؤمنين، ولم يذكر الأسود.
قوله: (قالا) أي: القاسم والأسود. قوله: (يصدر الناس)، أي: يرجع الناس، من الصدور وهو الرجوع، وفعله من باب نصر ينصر. قوله: (بنسكين) أي: بحجة وعمرة. قوله: (وأصدر بنسك؟) أي: وأرجع أنا بحجة. قوله: (فقيل لها) أي: لعائشة، ويروى: (فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم). قوله: (فإذا طهرت)، بضم الهاء وفتحها. قوله: (ثم ائتينا)، بصيغة المؤنث من الإتيان، وفي رواية مسلم: (ثم ألقينا) كما مر. قوله: (بمكان كذا وكذا)، وأراد به الأبطح، وفي رواية الإسماعيلي: بحبل كذا)، بالحاء والباء الموحدة، ورواية غيره بالجيم. قوله: (ولكنها) أي: ولكن عمرتك على قدر نفقتك أو نصبك أي: أو على قدر نصبك، أي: تعبك. وكلمة أو، إما للتنويع في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، أو شك من الراوي، وقد روى فيه ما يدل على كل واحد من النوعين، فيدل على أنها للشك ما رواه الإسماعيلي أيضا من طريق أحمد بن منيع عن إسماعيل: (على قدر نصبك أو على قدر تعبك). وفي رواية له من طريق حسين بن حسن: (على قدر نفقتك أو نصبك). أو كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويدل على أنها للتنويع ما رواه الدارقطني والحاكم من طريق هشيم عن ابن عون بلفظ: (إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك)، بواو العطف، ثم معنى هذا الكلام أن الثواب في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة.
وقال ابن عبد السلام: هذا ليس بمطرد، فقد تكون بعض العبادة أخف من بعض، وهي أكثر فضلا بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليالي من رمضان غيرها. وبالنسبة للمكان كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره. وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو من قراءتها، ونحو ذلك من صلاة النافلة، وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع. انتهى. قلت: هذا الذي ذكره لا يمنع الإطراد، لأن الكثرة الحاصلة في الأشياء المذكورة ليست من ذاتها، وإنما هي بحسب ما يعرض لها من الأمور المذكورة. فافهم فإنه دقيق، وقال النووي: المراد بالنصب الذي لا يذمه الشرع، وكذا النفقة. وفي (التوضيح) أفعال البر كلها على قدر المشقة والنفقة، ولهذا استحب الشافعي ومالك الحج راكبا، ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: * (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله) * (التوبة: 02). وفي هذا فضل الغنى وإنفاق المال في الطاعات، ولما في قمع النفس عن شهواتها من المشقة على النفس، ووعد الله عز وجل الصابرين فقال: * (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) * (الزمر: 01). وبظاهر الحديث المذكور استدل على أن الاعتمار لمن كان بمكة من جهة الحل القريبة أقل أجرا من الاعتمار من جهته البعيدة. وقال الشافعي في (الإملاء): أفضل بقاع الحل للاعتمار الجعرانة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم منها، ثم التنعيم لأنه أذن لعائشة منها. انتهى. قلت: اعتماره صلى الله عليه وسلم من الجعرانة لم يكن بالقصد منها، وإنما كان حين رجع من الطائف مجتازا إلى المدينة، وأذنه لعائشة من التنيعم لكونها أقرب وأسهل عليها من غيرها.