عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٢٢
صلى الله عليه وسلم. قوله: (وهو بالعقبة) جملة حالية أي: والنبي صلى الله عليه وسلم كان بعقبة منى. قوله: (وهو يرميها) جملة حالية أيضا أي: والنبي، صلى الله عليه وسلم، يرمي جمرة العقبة. قوله: (فقال) أي: سراقة. قوله: (ألكم هذه؟) أي: هذه الفعلة، وهي جعل الحج عمرة أو العمرة في أشهر الحج، والألف في: (ألكم؟) للاستفهام على سبيل الاستخبار، أراد أن هذه الفعلة مخصوصة بكم في هذه السنة أو لكم ولغيركم أبدا؟ فأجاب النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: (للأبد) وفي رواية يزيد بن زريع (لنا هذه خاصة؟) وفي رواية جعفر عند مسلم: (فقام سراقة فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: دخلت العمرة في الحج، مرتين لا بل لأبد الأبد).
وقال النووي: اختلف العلماء في معناه على أقوال: أصحها، وبه قال جمهورهم: معناه أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج. الثاني: معناه جواز القران، وتقدير الكلام دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة. والثالث: تأويل بعض القائلين بأن العمرة ليست واجبة، قالوا: معناه سقوط العمرة، ومعنى دخولها في الحج سقوط وجوبها، وهذا ضعيف أو باطل، وسياق الحديث يقتضي بطلانه. والرابع: تأويل بعض أهل الظاهر أن معناه جواز فسخ الحج إلى العمرة، وهذا أيضا ضعيف، ورد هذا بأن سياق السؤال يقوي هذا التأويل، بل الظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ، وفيه نظر.
وقال النووي أيضا اختلف العلماء في هذا الفسخ هل هو خاص للصحابة تلك السنة خاصة أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة، فيجوز لكل من أحرم بحج وليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها؟ وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف: هو مختص بهم في تلك السنة، لا يجوز بعدها، وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج. ومما يستدل به للجماهير حديث أبي ذر الذي رواه مسلم كانت في الحج لأصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، خاصة يعني: فسخ الحج إلى العمرة، وروى النسائي عن الحارث بن بلال عن أبيه، قال: (قلت: يا رسول الله! فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل لنا خاصة). وأما الذي في حديث سراقة (ألعامنا هذا أم للأبد؟. فقال: لا بل للأبد). فمعناه جواز الاعتمار في أشهر الحج والقران كما ذكرناه.
ومن فوائد الحديث المذكور جواز التمتع وتعليق الإحرام بإحرام الغير، وجواز قول: لو، في التأسف على فوات أمور الدين، والمصالح. وأما الحديث في: أن لو تفتح عمل الشيطان، فمحمول على التأسف في حظوظ الدنيا.
7 ((باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي)) أي: هذا باب في بيان مشروعية الاعتمار في أشهر الحج بعد الفراغ من الحج بغير هدي يلزمه.
6871 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى قال حدثنا هشام قال أخبرني أبي قال أخبرتني عائشة رضي الله تعالى عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن يهل بعمرة فليهل ومن أحب أن يهل بحجة فليهل ولولا أني أهديت لأهللت بعمرة فمنهم من أهل بعمرة ومنهم من أهل بحجة وكنت ممن أهل بعمرة فحضت قبل أن أدخل مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ففعلت فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمان إلى التنعيم فأردفها فأهلت بعمرة مكان عمرتها فقضى الله حجها وعمرتها ولم يكن في شيء من ذالك هدي ولا صدقة ولا صوم.
.
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»