عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢٦٠
زاد ففي كل أربعين درهما درهم) ثم قال البيهقي مجود الإسناد، ورواه جماعة من الحفاظ موصولا حسنا، وروى البيهقي عن أحمد ابن حنبل أنه قال: أرجو أن يكون صحيحا. والثاني: ذكره البيهقي في: باب لا صدقة في الخيل، من حديث علي، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (عفوت لكم صدقة الخيل والرقيق، فهلموا صدقة الرقة من كل أربعين درهما، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم)، وقال ابن حزم: صحيح مسند، وروى ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سليمان عن عاصم الأحول عن الحسن البصري، قال: كتب عمر، رضي الله تعالى عنه، إلى أبي موسى: فما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهما درهم. وأخرجه الطحاوي في (أحكام القرآن) من وجه آخر عن أنس عن عمر نحوه، وقال صاحب (التمهيد): وهو قول ابن المسيب والحسن ومكحول وعطاء وطاووس وعمرو بن دينار والزهري، وبه يقول أبو حنيفة والأوزاعي، وذكر الخطابي الشعبي معهم، وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن محمد الباقر رفعه، قال: (إذا بلغت خمس أواقي ففيها خمسة دراهم، وفي كل أربعين درهما درهم). وفي (أحكام) عبد الحق قال: روى أبو أوس عن عبد الله ومحمد ابني أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما عن النبي، صلى الله عليه وسلم: أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن. وفيه: الزكاة ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي درهم، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم، وليس فيما دون الأربعين صدقة، والذي عند النسائي وابن حبان والحاكم وغيرهم، وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم، وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم، وليس فيما دون خمس أواق شيء، وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في (كتاب الأموال): حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس، قال: ولاني عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، الصدقات فأمرني أن آخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار، وما زاد فبلغ أربعة دنانير ففيه درهم، وأن آخذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم، فما زاد فبلغ أربعين درهما ففيه درهم، والعجب من النووي مع وقوفه على هذه الأحاديث الصحيحة كيف يقول: ولأبي حنيفة حديث ضعيف. ويذكر الحديث المتكلم فيه،. ولم يذكر غيره من الأحاديث الصحيحة.
وبقي الكلام فيما يتعلق بهذا الفصل، وهو نوعان: أحدهما: مسألة الضم، وهو أن الجمهور يقولون بضم الفضة والذهب بعضها إلى بعض في إكمال النصاب، وبه قال مالك إلا أنه يراعي الوزن ويضم على الأجزاء لا على القيم، ويجعل كل دينار كعشرة دراهم على الصرف الأول، وقال الأوزاعي وأبو حنيفة والثوري: يضم على القيم في وقت الزكاة. وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود: لا يضم مطلقا. وقال الخطابي: ولم يختلفوا في أن الغنم لا تضم إلى الإبل ولا إلى البقر، وأن التمر لا يضم إلى الزبيب، واختلفوا في البر والشعير. فقال أكثر العلماء: لا يضم واحد منهما إلى الآخر، وهو قول الثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي وأحمد بن حنبل، وقال مالك: يضاف القمح إلى الشعير ولا يضاف القطاني إلى القمح والشعير. والآخر: مسألة الغش، فعند أبي حنيفة وصاحبيه: إذا كان الغالب على الورق الفضة فهن في حكم الفضة، وإن كان الغالب عليه الغش فهي في حكم العروض، يعتبر أن تبلغ قيمتها نصابا فلا زكاة فيها إلا بأحد الأمرين إن يبلغ ما فيها من الفضة مائتي درهم أو يكون للتجارة، وقيمتها مائتان، وما زاد على مائتي درهم ففي كل شيء منه ربع عشره، قل أو كثر، وبه قال مالك والليث والشافعي وابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وأبو عبيد، وروي عن علي وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم، وقال أبو حنيفة وزفر: لا شيء فيما زاد على المائتين حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما، فإذا بلغتها كان فيها ربع عشرها وهو درهم، وهو قول ابن المسيب والحسن وعطاء وطاووس والشعبي والزهري ومكحول وعمرو بن دينار والأوزاعي، ورواه الليث عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه.
الفصل الثاني: هو قوله: (وليس فيما دون خمسة ذود صدقة) وفيه: بيان أقل الإبل التي تجب فيها الزكاة، فبين أنه لا تجب الزكاة، فبين أنه لا تجب الزكاة في أقل من خمس ذود من الإبل، فإذا بلغت خمسا سائمة وحال عليها الحول ففيها شاة، وهذا بالإجماع وليس فيه خلاف، وسيجئ الكلام فيه مفصلا عنده موضعه، إن شاء الله تعالى.
الفصل الثالث: هو قوله: (وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)، احتج به الشافعي وأبو يوسف ومحمد: أن ما أخرجته الأرض إذا بلغ خمسة أوسق تجب فيها الصدقة، وهي العشر، وليس فيما دون ذلك شيء. وقال أبو حنيفة: في كل ما أخرجته الأرض قليله وكثيره العشر، سواء سقي سيحا أوسقته السماء إلا القصب الفارسي والحطب والحشيش. وقال النووي: في هذا الحديث فائدتان: إحداهما: وجوب الزكاة في هذه المحدودات. والثانية: أنه لا زكاة فيما دون ذلك، ولا خلاف بين المسلمين في هاتين إلا ما قال أبو حنيفة وبعض السلف: إنه تجب الزكاة في قليل الحب وكثيره، وهذا مذهب باطل منابذ لصريح الأحاديث الصحيحة. قلت: هذه عبارة سمجة ولا يليق التلفظ بها في حق إمام متقدم علما وفضلا وزهدا وقربا أي الصحابة والتابعين الكبار، لا سيما ذلك من شخص موسوم بين الناس بالعلم الغزير والزهد الكثير، والإنصاف في مثل هذا المقام تحسين العبارة، وهو اللائق لأهل الدين، ولا يفحش العبارة إلا من يتعصب بالباطل، وليس هذا من الدين، ولم ينسب النووي بطلان هذا المذهب ومنابذة الأحاديث الصحيحة لأبي حنيفة وحده، بل نسبه أيضا إلى بعض السلف، والسلف هم: عمر بن عبد العزيز ومجاهد وإبراهيم النخعي، وقال أبو عمر: وهذا أيضا قول زفر ورواية عن بعض التابعين، فإن مذهب هؤلاء مثل مذهب أبي حنيفة، وأخرج عبد الرزاق في (مصنفه): عن معمر عن سماك بن الفضل عن عمر بن عبد العزيز، قال: فيما أنبتت الأرض من قليل أو كثير العشر. وأخرج نحوه عن مجاهد وإبراهيم النخعي. وأخرج ابن أبي شيبة أيضا عن هؤلاء نحوه، وزاد في حديث
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»