عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢٥٧
وأجمع أهل الحديث والفقه وأئمة اللغة على أن الأوقية الشرعية: أربعون درهما، وهي أوقية الحجاز. وقال القاضي عياض: ولا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوجب الزكاة في أعداد منها وتقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وهذا يبين أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمان عبد الملك بن مروان وأنه جمعها برأي العلماء، وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ووزن الدرهم ستة دوانيق، قول باطل، وإنما معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام وعلى صفة لا تختلف، بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم صغارا وكبارا وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ويمنية ومغربية، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه وتصييرها وزنا واحدا لا يختلف وأعيانا يستغنى فيها من الموازين، فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم، قال القاضي: ولا شك أن الدراهم كانت حينئذ معلومة، وإلا فكيف كان يتعلق بها حقوق الله تعالى في الزكاة وغيرها وحقوق العباد وهذا كما كانت الأوقية معلومة. وقال النووي: أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن المعروف، وهو أن الدرهم ستة دوانيق، وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ولم يتغير المثقال في الجاهلية والإسلام. قلت: روى ابن سعد في (الطبقات) في ترجمة عبد الملك بن مروان: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، قال: ضرب عبد الملك بن مروان الدراهم والدنانير سنة خمس وسبعين، وهو أول من أحدث ضربها ونقش عليها. وقال الواقدي: حدثنا خالد بن ربيعة بن أبي هلال عن أبيه، قال: كانت مثاقيل الجاهلية التي ضرب عليها عبد الملك اثنتين وعشرين قيراطا إلا حبة بالشامي، وكانت العشرة وزن سبعة. انتهى. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في (كتاب الأموال)، في: باب الصدقة وأحكامها: كانت الدراهم قبل الإسلام كبارا أو صغارا فلما جاء الإسلام وأرادوا ضرب الدراهم وكانوا يزكونها من النوعين فنظروا إلى الدارهم الكبير فإذا هو ثمانية دوانق وإلى الدرهم الصغير فإذا عو أربعة دوانق فوضعوا زيادة الكبير على نقصان الصغير فجعلوهما درهمين سواء كل واحد ستة دوانيق، ثم اعتبروها بالمثاقيل، ولم يزل المثقال في آباد الدهر محدودا لا يزيد ولا ينقص، فوجدوا عشرة دراهم من هذه الدراهم التي واحدها ستة دوانيق يكون وزان سبعة مثاقيل، وأنه عدل بين الكبار والصغار، وأنه موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة، فمضت سنة الدراهم على هذا، وأجمعت عليه الأمة فلم يختلف أن الدرهم التام ستت دوانيق فما زاد أو نقص قيب فيه زائدا وناقص والناس في الزكاة على الأصل الذي هم السنة لم يزيغوا وكذلك في المبايعات انتهى وذكر في كتب أصحابنا أن الدراهم كانت في الابتداء على لي ثلاثة أصناف: صنف: منها: كل عشرة منه عشرة مثاقيل، كل درهم مثقال. وصنف: منها كل عشرة منه ستة مثاقيل، كل درهم ثلاثة أخماس مثقال. وصنف: منها كل عشرة منه خمسة مثاقيل، كل درهم نصف مثقال، وكان الناس يتصرفون فيها ويتعاملون بها فيما بينهم إلى أن استخلف عمر، رضي الله تعالى عنه، فأراد أن يستخرج الخراج بالأكبر فالتمسوا منه التخفيف، فجمع حساب زمانه ليتوسطوا ويوفقوا بين الدراهم كلها وبين ما رامه عمر، رضي الله تعالى عنه، وبين ما رامه الرعية، فاستخرجوا له وزن السبعة بأن أخذوا من كل صنف ثلثه فيكون المجموع سبعة. وفي (الذخيرة) للقرافي: إن الدرهم المصري أربعة وستون حبة، وهو أكبر من درهم الزكاة، فإذا أسقطت الزائدة كان النصاب من دراهم مائة وثمانين درهما وجبتين. وفي (فتاوى الفضلى): تعتبر دنانير كل بلد ودراهمهم، وفي رواية البخاري في: باب ليس فيما دونه خمسة أوسق صدقة، عن أبي سعيد الخدري أيضا: ولا أقل في خمس أواق من الورق صدقة، وهنا زاد لفظ: من الورق، الورق والورق والورق والرقة: الدراهم، وربما سميت الفضة ورقة، والرقة الفضة، والمال. وعن ابن الأعرابي وقيل: الفضة والذهب، وعن ثعلب: وجمع الورق والورق أوراق، وجمع الرقة رقوق ورقون، ذكره ابن سيده. وفي (الجامع) أعطاه ألف درهم رقة، يعني: لا يخالطها شيء من المال غيرها. وفي (الغريبين)؛ الورق والرقة الدراهم خاصة وأما الورق فهو المال كله. وقال أبو بكر: الرقة معناها في كلامهم: الورق، وجمعها رقات، وفي (المغرب): الورق، بكسر الراء: المضروب من الفضة، وكذا الرقة. وفي (المجمل): الورق الدراهم وحدها، والورق من المال، ورد النووي على صاحب (البيان) في قوله: الرقة هي الذهب والفضة، وقال: هذا غلط فهو مردود عليه كما ذكرنا عن ابن الأعرابي، وقال القرطبي: درهم الكيل زنته خمسون حبة وخمسا حبة، وسمي بذلك لأنه بتكييل عبد الملك بن مروان، أي: بتقديره وتحقيقه، وذلك أن الدراهم التي كان الناس
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»