عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢٦٥
للرجال وهو الصحيح، وقال العسكري في (الفصيح)؛ لا يقال ثدي إلا في المرأة، ويقال في الرجل تندوة، والثدي يذكر ويؤنث قوله: (من نغض كتفه)، بضم النون وسكون الغين المعجمة وفي آخره ضاد معجمة: وهو العظم الرقيق الذي على طرف الكتف، وقيل: هو أعلى الكتف، ويقال له أيضا: الناغض. وفي (المخصص): النغض تحرك الغضروف، نغضت كتفه نغوضا ونغاضا ونغضانا. ويقال: طعنه في نغض كتفه، ومرجع كتفه وهو حيث يتحرك الغضروف مما يلي إبطه في كتفه. وقال الأصمعي: قرع الكتف ما تحرك منها وعلا، والجمع فروع، ونغضها حيث يجيء فرعها، ويذهب. وقال أبو عبيدة: هو أعلى منقطع الغضروف من الكتف. وقيل: النغضان اللتان ينغضان من أسفل الكتف فيتحركان إذا مشى. وقال شمر: هو من الإنسان أصل العنق حيث ينغض رأسه، ونغض الكتف هو العظم الرقيق على طرفها. وقال الخطابي: نغض الكتف الشاخص من الكتف، سمي به لأنه يتحرك من الإنسان في مشيه. قوله: (يتزلزل) أي: يتحرك ويضطرب الرضف من نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه، وفي رواية الإسماعيلي: فيتجلجل بجيمين، وهو بمعنى الأول، وفي بعض النسخ حتى يخرج من حلمة ثدييه، بالتثنية في الثاني والإفراد في الأول. قوله: (ثم ولى) أي: أدبر قوله (سارية) وهي الأسطوانة وفي رواية الإسماعيلي فوضع القوم رؤسهم فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا قال فادبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية). قوله: (وأنا لا أدري من هو)، وفي رواية مسلم زيادة من طريق خليد العصري عن الأحنف، وهي: (فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر، فقمت إليه فقلت: ما شيء سمعتك تقوله؟ قال: ما قلت إلا شيئا سمعته من نبيهم، صلى الله عليه وسلم). وفي هذه الزيادة رد لقول من يقول: إنه موقوف على أبي ذر، فلا يكون حجة على غيره. وفي (مسند أحمد) من طريق يزيد الباهلي: (عن الأحنف: كنت بالمدينة فإذا أنا برجل يفر منه الناس حين يرونه، قلت: من أنت؟ قال: أبو ذر. قلت: ما نفر الناس منك؟ قال: إني أنهاهم عن الكنوز التي كان ينهاهم عنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم). قوله: قلت: بفتح التاء، خطاب لأبي ذر. قوله: (قال) أي: أبو ذر: (إنهم لا يعقلون شيئا)، فسر ذلك في الأخير بقوله: (إنما يجمعون الدنيا)، فالذين يجمعون الدنيا لا يفهمون كلام من ينهاهم عن الكنوز. قوله: (قال لي خليلي) أراد به النبي صلى الله عليه وسلم حيث بينه بقوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم أي: قال أبو ذر: خليلي هو النبي صلى الله عليه وسلم، وفاعل: قال، هو أبو ذر. وقوله: (النبي)، خبر مبتدأ محذوف أي: هو النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (يا أبا ذر)، تقديره: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر، وعن هذا قال ابن بطال: سقط كلمة من الكتاب، وهي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر أتبصر أحدا؟ هو الجبل المعروف. وقال الكرماني: لفظ يا أبا ذر يتعلق بقوله: (قال لي خليلي). قلت: فعلى قوله لا يحتاج إلى تقدير. قوله: (ما بقي من النهار)، أي: أي شيء بقي من النهار. قوله: (وأنا أرى)، أي: أظن. قوله: (قلت: نعم)، جواب لقوله: (أتبصر أحدا) قوله: (مثل أحد) إما خبر لأن، وإما حال مقدم على الخبر. وانتصاب (ذهبا) على التمييز. قوله: (انفقه كله) أي: كل مثل أحد ذهبا. وقال الكرماني: فإن قلت: الإنفاق في سبيل الله يستحسن، فلم ما أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: المراد أنفقه لخاصة نفسه، أو المراد أنفقه في سبيل الله وعدم المحبة، إنما هو للاستثناء الذي فيه. أي: ما أحب إلا إنفاق الكل. قوله: (إلا ثلاثة دنانير)، قال القرطبي: الدنانير الثلاثة المؤخرة: واحد لأهله وآخر لعتق رقبة وآخر لدين.. وقال الكرماني: يحتمل أن هذا المقدار كان دينا أو مقدار كفاية إخراجات تلك الليلة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (وإن هؤلاء لا يعقلون)، عطف على: إنهم لا يعقلون شيئا، وليس من تتمة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو من كلام أبي ذر، وكرر للتأكيد ولربط ما بعده عليه. قوله: (إنما يجمعون الدنيا) قد قلنا: إن هذا بيان لقوله: (إنهم لا يعقلون شيئا). قوله: (لا أسألهم دنيا)، أي: لا أطمع في دنياهم. وفي رواية الإسماعيلي: (قلت مالك لإخوانك من قريش لا تعتريهم ولا تصيب منهم، قال: وربك لا أسألهم دنيا...) إلى آخره. وفي رواية مسلم: (لا أسألهم عن دنيا). قال النووي: الأجود حذف: عن، كما في رواية للبخاري، (ثم قال: لا أسألهم شيئا من متاعها). قوله: (لا تعتريهم) أي: تأتيهم وتطلب منهم. قوله: (ولا استفتيهم عن دين)، أي: لا أسألهم عن أحكام الدين أي: أقنع بالبلغة من الدنيا وأرضى باليسير مما سمعت من العلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: زهد أبي ذر، رضي الله تعالى عنه، وكان من مذهبه أنه يحرم على الإنسان إدخار ما زاد على حاجته. وفيه: أن أبا ذر ذهب إلى ما يقتضيه ظاهر لفظ: * (والذين يكنزون الذهب والفضة) * (التوبة: 43). إذ الكنز في اللغة: المال المدفون.
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»