عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢٤٩
المستحق عليه الوعيد كل مال لم تؤد زكاته، وكل مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان تحت سبع أرضين رواه نافع عن ابن عمر، وروى نحوه عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة موقوفا ومرفوعا، وعن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، أي مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونا في الأرض، وأي مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوي به صاحبه وإن كان على وجه الأرض. وقال الثوري عن أبي حصين عن أبي الضحى عن جعدة بن هبيرة عن علي، رضي الله تعالى عنه، قال: أربعة آلاف فما دونها نفقة فما كان أكثر من ذلك فهو كنز، وهذا غريب. وقيل: هو ما فضل من المال عن حاجة صاحبه إليه. قوله: (الذهب والفضة) سمي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى، وسميت الفضة فضة لأنها تنفض أي تنصرف، وحسبك دلالة على فنائهما. قوله: * (ولا ينفقونها) * (التوبة: 43). قال الزمخشري: فإن قلت: لم قيل: ولا ينفقونها، وقد ذكر شيئان؟ قلت: ذهابا بالضمير إلى المعنى دون اللفظ، لأن كل واحد منهما جملة وافية، وعدة كثيرة ودنانير ودراهم. وقيل: ذهب به إلى الكنوز، وقيل: إلى الأموال، وقيل: معناه ولا ينفقونها والذهب. فإن قلت: لم خصا بالذكر من بين سائر الأموال؟ قلت: لأنهما قانون التمول وأثمان الأشياء ولا يكنزهما إلا من فضلا عن حاجته. قوله: * (يوم يحمى عليها) * (التوبة: 53). أي: أذكر وقت تدخل النار فيوقد عليها يعني أن النار تحمى عليها فلما حذفت النار قيل يحمى لانتقال اسناد الفعل إلى عليها قوله: (فتكوى بها) الكي: إلصاق الحار من الحديد أو النار بالعضو حتى يحترق الجلد. قوله: (جباههم) جمع جبهة، وهي ما بين الحاجبين إلى الناصية، والجنوب جمع جنب، والظهور جمع ظهر، خصت هذه المواضع دون غيرها من البدن لأنها مجوفة يصل الحر إليها بسرعة، ويقال لأن الغني إذا أقبل عليه الفقير قبض جبهته وزوى ما بين عينيه وطوى كشحه، ولأن الكي في الوجه أبشع وأشهر، وفي الظهر والجنب آلم وأوجع، وقيل: إنما خص هذه المواضع ليقع ذلك على الجهات الأربع، ويقال: إذا جاء الفقير إلى الغني يواجهه بوجهه فيولي عنه وجهه ويلتفت إلى جنبه، ثم يدور الفقير فيجيء إلى ناحية حنبه ويلتفت الغني ويولي إلى ظهره، فيجازى على هذا الوجه، وذكر مكي عن عمر بن عبد العزيز وعراك بن مالك أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة) * وفي الاستذكار روى الثوري عن ابن أنعم عن عمارة بن راشد قرأ عمر رضي الله عنه * (والذين يكنزون) * (التوبة: 301). فقال ما أراها إلا منسوخة بقوله: * (خذ من أموالهم) * (التوبة: 301). وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا حميد بن مالك حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي حدثنا أبي حدثنا غيلان بن جامع المحاربي عن عثمان بن أبي اليقظان عن جعفر بن أياس عن مجاهد عن ابن عباس: قال: لما نزلت هذه الآية: * (والذين يكنزون الذهب والفضة..) * (التوبة: 43). الآية، كبر ذلك على المسلمين، وقالوا: ما يستطيع أحد منا لولده مالا يبقى بعده، فقال عمر، رضي الله تعالى عنه: أنا أفرج عنكم، فانطلق عمر واتبعه ثوبان، فأتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال نبي الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم، قال: فكبر عمر، رضي الله تعالى عنه، ثم قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء: المرأة الصالحة التي إذا نظر إليه سرت، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته). ورواه أبو داود وابن مردويه من حديث يعلى بن يعلى به، وأخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. وقال أبو الحسن بن الحصار في كتابه (الناسخ والمنسوخ): أراد من قال بالنسخ أن جمع المال كان محرما في أول الإسلام، فلما فرضت الزكاة جاز جمعه، واستدل أبو بكر الرازي من هذه الآية على إيجاب الزكاة في سائر الذهب والفضة مصوغا أو مضروبا أو تبرا أو غير ذلك، لعموم اللفظ. قال: ويدل عليه أيضا على ضم الذهب إلى الفضة لإيجابه الحق فيهما مجموعين، فيدخل تحته الحلي أيضا، وهو قول أصحابنا. قال أبو حنيفة: بضم القيمة كالعروض، وعندهما بالأجزاء.
2041 حدثنا الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد أن عبد الرحمان بن هرمز الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم تأتي الإبل على صاحبها
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»