عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٤٠
مكلبين) * (المائدة: 4) فإن قلت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، قلت: هذا كان في زمن كان النبي، عليه الصلاة والسلام، أمر فيه بقتل الكلاب، وكان الانتفاع بها يومئذ محرما، ثم بعد ذلك رخص في الانتفاع بها، وروى الطحاوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهما، وقضى في كلب ماشية بكبش، وعنه عن عطاء: لا بأس بثمن الكلب، فهذا قول عطاء، رضي الله عنه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ثمن الكلب من السحت، وعنه عن ابن شهاب أنه إذا قتل الكلب المعلم فإنه تقوم قيمته فيغرمه الذي قتله، فهذا الزهري يقول هذا، وقد روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن ثمن الكلب من السحت، وعنه عن مغيرة عن إبراهيم قال: لا بأس بثمن كلب الصيد، وروي عن مالك إجازة بيع كلب الصيد والزرع والماشية، ولا خلاف عنه أن من قتل كلب صيد أو ماشية فإنه يجب عليه قيمته، وعن عثمان، رضي الله عنه، أنه أجاز الكلب الضاري في المهر وجعل على قاتله عشرين من الإبل، ذكره أبو عمر في (التمهيد) [/ ح.
الخامس: استدلت به الشافعية على وجوب غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات، ولا فرق عندهم بين ولوغه وغيره، وبين بوله وروثه ودمه وعرقه ونحو ذلك، ولو ولغ كلاب أو كلب واحد مرات في إناء فيه ثلاثة أوجه: الصحيح: يكفي للجميع سبع مرات. والثاني: أنه يجب لكل واحد سبع. والثالث: أنه يكفي لولغات الكلب الواحد سبع، ويجب لكل كلب سبع، ولو وقعت نجاسة أخرى فيما ولغ فيه كفى عن الجميع سبع، ولو كانت نجاسة الكلب دمه فلم تزل عينه إلا بست غسلات مثلا، فهل يحسب ذلك ست غسلات أم غسلة واحدة أم لا يحسب من السبع أصلا؟ فيه أيضا ثلاثة أوجه أصحها واحدة، قال الكرماني: فإن قلت: ظاهر لفظ الحديث يدل على أنه لو كان الماء الذي في الإناء قلتين ولم تتغير أوصافه لكثرته كان الولوغ فيه منجسا أيضا، لكن الفقهاء لم يقولوا به. قلت: لا نسلم أن ظاهره دل عليه، إذ الغالب في أوانيهم أنها ما كانت تسع القلتين، فبلفظ الإناء خرج عنه قلتان وما فوقه. قلت: إذا كان الإناء يسع القلتين أو أكثر، فماذا يكون حكمه؟ والإناء لا يطلق إلا على ما لا يسع فيه إلا ما دون القلتين، واللفظ أعم من ذلك.
السادس: انه ورد في هذا الحديث (سبعا) أي: سبع مرات، وفي رواية: (سبع مرات أولاهن بالتراب). وفي رواية: (أولاهن أو أخراهن)، وفي رواية: (سبع مرات السابعة بتراب)، وفي رواية: (سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب). وقال النووي: وأما رواية: وغفروه الثامنة بالتراب، فمذهبنا ومذهب الجماهير، إذا المراد: إغسلوه سبعا واحدة منهن بتراب مع الماء، فكان التراب قائما مقام غسله، فسميت ثامنة. وقال بعضهم: خالف ظاهر هذا الحديث المالكية والحنفية، أما المالكية فلم يقولوا بالتتريب أصلا مع إيجابهم السبع على المشهور عندهم، وأجيب: عن ذلك بأن التتريب لم يقع في رواية مالك، على أن الأمر بالتسبيع عنده للندب لكون الكلب طاهرا عنده. فإن عورض بالرواية التي روى عنه أنه نجس أجيب بأن قاعدته أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، فلا يجب التسبيع للنجاسة بل للتعبد، فإن عورض بما رواه مسلم عن أبي هريرة: (طهور إناء أحدكم) أجيب: بأن الطهارة تطلق على غير ذلك كما في * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) * (التوبة: 103) و: (السواك مطهرة للفم)، فإن عورض بأن اللفظ الشرعي إذا دار بين الحقيقة اللغوية والشرعية حملت على الشرعية إلا إذا قام دليل، أجيب: بأن ذلك عند عدم الدليل، وهنا يحتمل أن يكون من قبيل قوله، عليه الصلاة والسلام: (التيمم طهور المسلم). وبعض المالكية قالوا: الأمر بالغسل من ولوغه في الكلب المنهي عن اتخاذه دون المأذون فيه، فإن عورض بعدم القرينة في ذلك، أجيب: بأن الأذن في مواضع جواز الاتخاذ قرينة، وبعضهم قالوا: إن ذلك مخصوص بالكلب الكلب، والحكمة فيه من جهة الطب، لأن الشارع اعتبر السبع في مواضع، منها قوله: (صبوا علي من سبع قرب)، ومنها قوله: (من تصبح بسبع تمرات)، فإن عورض بأن الكلب الكلب لا يقرب الماء، فكيف يأمر بالغسل من ولوغه؟ أجيب: بأنه لا يقرب بعد استحكام ذلك، اما في ابتدائه فلا يمتنع، فان عورض بمنع استلزام التخصيص بلا دليل، والتعليل بالتنجيس أولى، لأنه في معنى المنصوص، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما التصريح بأن الغسل من ولوغ الكلب لأنه رجس، رواه محمد بن نضر المروزي بأسناد صحيح، ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه. أجيب: بأنه يحتمل أن يكون هذا الإطلاق مثل إطلاق الرجس على الميسر والأنصاب.
واما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع، ولا التتريب. قلت: لم يقولوا بذلك لأن أبا هريرة، رضي الله تعالى عنه، الذي روى السبع، روي عنه غسل الإناء مرة من ولوغ
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»