عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٤٣
والإخبار والسماع والعنعنة. ومنها: أن رواته ما بين مروزي وبصري ومدني. ومنها: أن فيه تابعين وهما: عبد الله بن دينار وأبو صالح.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره هذا الحديث أخرجه البخاري في عدة مواضع في الشرب والمظالم والأدب، وأخرجه أيضا من طريق ابن سيرين: (بينما كلب يطيف بركة كاد يقتله العطش إذ رأته بغي فنزعت موقها فسبقته فغفر لها). أخرجه في ذكر بني إسرائيل. وأخرجه مسلم في الحيوان. وأخرجه أبو داود في الجهاد.
بيان اللغات والإعراب: قوله: (يأكل الثرى) بفتح الثاء المثلثة والراء، مقصور: وهو التراب الندي، قاله الجوهري وصاحب (الغريبين) وفي (المحكم): الثرى التراب. وقيل: التراب الذي إذا بل يصير طينا لازبا، والجمع اثرى. وفي (مجمع الغرائب): أصل الثرى الندى، ولذلك قيل للعرق ثرى. ومعنى يأكل الثرى: يلعق التراب. قوله: (من العطش) أي: من أجل العطش، فإن قلت: يأكل الثرى، ما محله من الإعراب؟ قلت: نصب إما حال من كلبا، أو صفة له. قال الكرماني: قلت: لا يجوز أن يكون حالا، لأن الشرط أن يكون ذو الحال معرفة، وههنا نكرة، ولا يجوز أيضا أن يكون مفعولا ثانيا، لأن الرؤية بمعنى الإبصار. قوله: (فجعل) من أفعال المقاربة. وهي ما وضع لدنو الخبر رجاء أو حصولا أو أخذا فيه، والضمير فيه اسمه. وقوله: (يغرف) جملة خبره، أي: طفق يغرف له.
بيان المعاني قوله: (حتى أرواه) اي: جعله ريان. قوله: (فشكر الله له)، والشكر هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف. يقال: شكرته وشكرت له، وباللام أفصح، والمراد ههنا مجرد الثناء، اي: فاثنى الله تعالى عليه، أو المراد منه الجزاء، إذ الشكر نوع من الجزاء أي: فجزاه الله تعالى. فان قلت: إدخال الجنة هو نفس الجزاء، فما معنى الثناء؟ قلت: هو من باب عطف الخاص على العام، أو الفاء تفسرية. نحو: * (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) * (البقرة: 54) على ما فسر به من أن القتل كان نفس نوبتهم. فإن قلت: هذه القصة متى وقعت؟ قلت: هذه من الوقائع التي وقعت في زمن بني إسرائيل، فلذلك قال: إن رجلا، ولم يسم.
بيان استنباط الأحكام الأول فيه الإحسان إلى كل حيوان بسقيه أو نحوه، وهذا في الحيوان المحترم، وهو ما لا يؤمر بقتله ولا يناقض، هذا ما أمرنا بقتله أو أبيح قتله، فإن ذلك إنما شرع لمصلحة راجحة، ومع ذلك فقد أمرنا بإحسان القتلة. الثاني: فيه حرمة الإساءة إليه، وإثم فاعله، فإنه ضد الإحسان المؤجر عليه، وقد دخلت تلك المرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت. الثالث: قال بعض المالكية: أراد البخاري بإيراد هذا الحديث طهارة سؤر الكلب، لأن الرجل ملأ خفه وسقاه به، ولا شك أن سؤره بقي فيه. وأجيب: بأنه ليس فيه أن الكلب شرب الماء من الخف، إذ قد يجوز أن يكون غرفه به ثم صب في مكان غيره، أو يمكن أن يكون غسل خفه إن كان سقاه فيه، وعلى تقدير: أن يكون سقاه فيه لا يلزمنا هذا، لأن هذا كان في شريعة غيرنا على ما رواه النسائي عن أبي هريرة. وقال الكرماني: أقول فيه دغدغة، إذ لا يعلم منه أنه كان في زمن بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان قبلها أو كان بعدها قبل ثبوت حكم سؤر الكلاب، أو أنه لم يلبس بعد ذلك، أو غسله. قلت: لا حاجة إلى هذا الترديد، فإنه روي عن أبي هريرة أنه: كان في شريعة غيرنا، على ما ذكرنا. الرابع: يفهم منه وجوب نفقة البهائم المملوكة على مالكها بالإجماع.
174 وقال أحمد بن شبيب حدثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب. قال حدثنى حمزة بن عبد الله عن أبيه قال كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك.
هذا الذي ذكره البخاري معلقا احتج به في طهارة الكلب، وطهارة سؤره، وجواز ممره في المسجد.
بيان رجاله وهم ستة. الأول: أحمد بن شبيب، بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة: ابن سعيد التميمي البصري، شيخ البخاري، ولم يخرج له غيره، أصله من البصرة، نزل مكة مات بعد المائتين ووالده، أخرج له النسائي، وهو صدوق. الثاني: أبوه شبيب المذكور، وكان من أصحاب يونس، وكان يختلف في التجارة إلى مصر، وكتابه كتاب صحيح. الثالث: يونس بن يزيد الأيلي، وقد تقدم. الرابع: ابن شهاب محمد بن مسلم الزهري تقدم. الخامس: حمزة، بالحاء المهملة والزاي: ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم، أبو عمارة القرشي العدوي المدني التابعي، ثقة قليل الحديث، روى له الجماعة. السادس: أبوه عبد الله بن عمر.
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»