عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٣٧
بإسناده إلى سفيان، قال: وما أعرف من قرأ بذلك. وقال بعضهم: لعل الثوري رواه بالمعنى. قلت: لا يصح هذا أصلا، لأنه قلب كلام الله تعالى، والظاهر أنه سهو، أو وقع غلطا.
170 حدثنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا إسرائيل عن عاصم عن ابن سيرين قال قلت لعبيدة عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه من قبل أنس أو من قبل أهل أنس فقال لان تكون عندي شعرة منه أحب من الدنيا وما فيها.
(الحديث 170 طرفه في: 171) الكلام فيه من وجوه: الأول في رجاله وهم خمسة: الأول: مالك بن إسماعيل، أبو غسان النهدي، الحافظ الحجة العابد، روى عنه مسلم والأربعة بواسطة، مات في سنة تسع عشرة ومائتين، وليس في الكتب الستة: مالك بن إسماعيل، سواه الثاني: إسرائيل ابن يونس، وقد تقدم. الثالث: عاصم بن سليمان الأحوال البصري الثقة الحافظ، مات سنة اثنتين وأربعين ومائة. الرابع: محمد بن سيرين وقد تقدم. الخامس: عبيدة، بفتح العين وكسر الباء الموحدة وفي آخره هاء: ابن عمرو، ويقال: ابن قيس بن عمرو السلماني، بفتح السين وسكون اللام: المرادي الكوفي، أسلم في حياة النبي، عليه الصلاة والسلام، ولم يلقه. وقال العجلي: هو كوفي تابعي ثقة جاهلي أسلم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وكان أعور؛ وقال سفيان بن عيينة: كان عبيدة يوازي شريحا في العلم والقضاء، وقال ابن نمير: كان شريح إذا أشكل عليه الأمر كتب إلى عبيدة، روى له الجماعة، مات سنة اثنتين وسبعين وقيل: ثلاث.
الثاني في لطائف إسناده: منها: أن رواته ما بين بصري وكوفي. ومنها: أن فيه التحديث والعنعنة والقول. ومنها: أن فيه رواية التابعي عن التابعي.
الثالث: أخرجه الإسماعيلي، وفي روايته: أحب إلي من كل صفراء وبيضاء.
الرابع في معناه واعرابه. قوله: (عندنا من شعر النبي، عليه الصلاة والسلام) أي: عندنا شيء من شعر، ويحتمل أن تكون: من، للتبعيض، والتقدير: بعض شعر النبي، عليه الصلاة والسلام، فيكون: بعض، مبتدأ وقوله: عندنا، خبره. ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفا أي: عندنا شيء من شعر النبي، عليه الصلاة والسلام، أو عندنا من شعر النبي، عليه السلام شيء. قوله: (أصبناه من قبل انس) أي: حصل لنا من جهة أنس ابن مالك، رضي الله عنه. وقوله: (أو) للتشكيك. قوله: (لأن تكون)، اللام: فيه لام الابتداء للتأكيد، و: أن، مصدرية، و: تكون، ناقصة، ويحتمل أن تكون تامة، والتقدير: كون شعرة عند من شعر النبي، عليه الصلاة والسلام أحب إلي من الدنيا وما فيها من متاعها.
الخامس في حكم المستنبط منه: وهو أنه لما جاز اتخاذ شعر النبي، عليه الصلاة والسلام، والتبرك به لطارته ونظافته، دل على أن مطلق الشعر طاهر، ألا تى أن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، جعل في قلنسوته من شعر رسول الله، عليه السلام، فكان يدخل بها في الحرب ويستنصر ببركته، فسقطت عنه يوم اليمامة، فاشتد عليها شدة، وأنكر عليه الصحابة، فقال: إني لم افعل ذلك لقيمة القلنسوة. لكن كرهت أن تقع بأيدي المشركين وفيها من شعر النبي، عليه الصلاة والسلام. ثم إن البخاري استدل به على أن الشعر طاهر وإلا لما حفظوه، ولا تمنى عبيدة أن تكون عنده شعرة واحدة منه، وإذا كان طاهرا فالماء الذي يغسل به طاهر، وهو مطابق لترجمة الباب، ولما وضعه البخاري في الماء الذي يغسل به شعر الإنسان ذكر هذا الأثر مطابقا للترجمة، ودليلا لما ادعاه، ثم ذكر حديثا آخر مرفوعا على ما يأتي الآن.
171 حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال أخبرنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد عن ابن عون عن ابن سيرين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره.
(انظر الحديث: 170) هذا هو الدليل الثاني لما ادعاه البخاري من طهارة الشعر، وطهارة الماء الذي يغسل به، المطابق للترجمة الأولى، وهي قوله: (طهارة الماء الذي يغسل به شعر الانسان).
بيان رجاله: وهم سبعة. الأول: محمد بن عبد الرحيم صاعقة، تقدم. الثاني: سعيد بن سليمان الضبي البزار أبو عثمان سعدويه الحافظ الواسطي، روى عنه البخاري وأبو داود، حج ستين حجة، مات سنة خمس وعشرين ومائتين عن مائة سنة. الثالث: عباد، بتشديد الباء الموحدة: هو ابن العوام الواسطي، أبو سهل،
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»