في رواية البخاري بفتح الزاي، وبالفاء. قال الجوهري: يقال نزفه الدم إذا خرج منه دم كثير حتى يضعف، فهو نزيف ومنزوف، وقال ابن التين: هكذا رويناه، والدي عند أهل اللغة: نزف دمه، على صيغة المجهول، أين: سال دمه. وقال ابن جني: أنزفت البئر وأنزفت هي، جاء مخالفا للعادة. وفي (المحكم): أنزفت البئر: نزحت. وقال ابن طريق: تميم تقول: أنزفت، وقيس تقول: نزفت، ونزفه الحجام ينزفه وينزفه: أخرج دمه كله، ونزفه الدم، وإن شئت قلت: أنزفه، وحكى الفراء: أنزفت البئر: ذهب ماؤها.
الخامس في استنباط الاحكام منه احتج الشافعي ومن معه بهذا الحديث: أن خروج الدم وسيلانه من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، فإنه لو كان ناقضا للطهارة لكانت صلاة الأنصاري به تفسد أول ما أصابه الرمية، ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يركع ويسجد وهو محدث، واحتج أصحابنا الحنفية بأحاديث كثيرة أقواها وأصحها ما رواه البخاري في (صحيحه) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي، عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم. قال هشام: قال أبي: ثم توضيء لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت). لا يقال: قوله: (ثم توضيء لكل صلاة)، من كلام عروة، لأن الترمذي لم يجعله من كلام عروة وصححه. وأما احتجاج الشافعي ومن معه بذلك الحديث فمشكل جدا، لأن الدم إذا سال أصاب بدنه وجلده، وربما أصاب ثيابه ومن نزل عليه الدماء مع إصابة شيء من ذلك، وإن كان يسيرا لا تصح صلاته عندهم، ولئن قالوا: إن الدم كان يخرج من الجراحة على سبيل الزرق حتى لا يصيب شيئا من ظاهر بدنة إن كان كذلك فهو أمر عجيب وهو بعيد جدا، وقال الخطابي: لست أدري كيف يصح الاستدلال به والدم إذا سال يصيب بدنه وربما أصاب ثيابه، ومع إصابة شيء من ذلك، وإن كان يسيرا. لا تصح صلاته، وقال بعضهم: ولو لم يظهر الجواب عن كون الدم أصابه فالظاهر أن البخاري كان يرى أن خروج الدم في الصلاة لا يبطل، بدليل أنه ذكر عقيب هذا الحديث اثر الحسن البصري، قال: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم. قلت: هذا أعجب من الكل وأبعد من العقل، وكيف يجوز هذا القائل نسبة جواز الصلاة مع خروج الدم فيها مع غير دليل قوي إلى البخاري؟ وأثر الحسن لا يدل على شيء من ذلك أصلا، لأنه لا يلزم من قوله: (يصلون في جراحاتهم)، أن يكون الدم خارجا وقتئذ، ومن له جراحة لا يترك الصلاة لأجلها بل يصلي وجراحته إما معصبة بشيء، أو مربوطة بجبيرة، ومع ذلك لو خرج شيء من ذلك تفسد صلاته بمجرد الخروج، ولا بد من سيلانه ووصوله إلى موضع يلحقه حكم التطهير.
وقال الحسن ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم اي: قال الحسن البصري: ومعناه يصلون في جراحاتهم من غير سيلان الدم، والدليل عليه ما رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه): عن هشام عن يونس عن الحسن: أنه كان لا يرى الوضوء من الدم إلا ما كان سائلا، هذا الذي روي عن الحسن بإسناد صحيح هو مذهب الحنفية، وحجة لهم على الخصم، فبطل بذلك قول القائل المذكور، ولو لم يظهر الجواب... إلى آخره، ولم يكن المراد من أثر الحسن ما ذهب إليه فهمه بل وهمه، فذلك مع علمه ووقوفه على الذي رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه) المذكور تركه، ولم يذكره لكونه يرد عليه ما ذهب إليه، ويبطل ما اعتمد عليه، وليس هذا شأن المنصفين وإنما هذا دأب المعاندين المعتصبين الذي يدقون الحديد البارد على السندان.
وقال طاوس ومحمد بن علي وأهل الحجاز ليس في الدم وضوء طاوس هو ابن كيسان اليماني الحميري، أحد الأعلام التابعين وخيار عباد الله الصالحين. قال يحيى بن معين: اسمه ذكوان، وسمي طاوسا لأنه كان طاوس القراء، ووصل أثره ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبيد الله بن موسى عن حنظلة عن طاوس أنه كان لا يرى في الدم السائل وضوء يغسل منه الدم ثم حبسه، وهذا ليس بحجة لهم لأنهم لا يرون العمل بفعل التابعي، ولا هو حجة على الحنفية من وجهين: الأول: أنه لا يدل على أن طاوسا كان يصلي والدم سائل. والثاني: وإن سلمنا ذلك، فالمنقول عن أبي حنيفة أنه كان يقول: التابعون رجال ونحن رجال يزاحموننا ونزاحمهم، والمعنى أن أحدا منهم إذا أدى