عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٣٧
وتعدد موضعه ومن أخرجه غيره قد مر بيانها في الباب السابق.
بيان لغته قوله: (حائط) أي: جدار، ويجيىء بمعنى: البستان في غير هذا الموضع، وأصله واوي، من: الحوط. قوله: (فانتبذت)، أي: تنحيت، ومادته: نون وباء موحدة وذال معجمة. وقال الجوهري: جلس فلان نبذة، بفتح النون وضمها، أي: ناحية، وانتبذ فلان أي: ذهب ناحيته، وقال الخاطبي: فانتبذت منه، اي تنحيت عنه حتى كنت منه على نبذه. قوله: (عقبه)، بفتح العين وكسر القاف: وهو مؤخر القدم، وهي مؤنثة، وعقب الرجل أيضا ولده وولد ولده، وفيها لغتان: كسر القاف وسكونها، وهي أيضا مؤنثة.
بيان إعرابه قوله: (رأيتني)، بضم التاء المثناة من فوق، ومعناه: رأيت نفسي، وبهذا التقدير يندفع سؤال من يقول: كيف جاز أن يكون الفاعل والمفعول عبارة عن شيء واحد، وهذا التركيب جائز في أفعال القلوب، لأنه من خصائصها، ولا يجوز في غيرها. قوله: (أنا) للتأكيد لصحة عطف لفظ النبي على الضمير المنصوب على المفعولية، والتقدير: رأيت نفسي ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الكرماني بنصب: النبي، لأنه عطف على المفعول لا على الفاعل، وعليه الرواية. قلت: ويجوز رفع: النبي، أيضا لصحة المعنى عليه، ولكن إن صحت رواية النصب يقتصر عليها. قوله: (نتماشى) جملة في محل لنصب على الحال، تقديره: ورأيت نفسي والنبي حال كوننا متماشين. قوله: (فأشار) أي: أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلي بعد أن بعدت منه، ولكن لم أبعد منه بحيث لا يراه. وفي رواية مسلم: ادنه، وقال بعضهم: رواية البخاري هذه بينت أن رواية مسلم: أدنه، كان بالإشارة لا باللفظ. قلت: يرد عليه رواية الطبراني من حديث عصمة بن مالك، قال: (خرج علينا رسول صلى الله عليه وسلمفي بعض سكك المدينة، فانتهى إلى سباطة قوم فقال: يا حذيفة استرني...) الحديث، فهذا صريح بأن إعلامه كان باللفظ، ويمكن أن يجمع بين الروايتني بأن يكون، عليه الصلاة والسلام، أشار أولا بيده أو برأسه، ثم قال: استرني. وقال هذا القائل أيضا: وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول. قلت: هذا الكلام من غير رواية إذ إشارته، عليه الصلاة والسلام، إلى حذيفة أو قوله: (استرني)، لم يكن إلا قبل شروعه في البول، فكيف يظن من ذلك ما قاله حتى ينفي ذلك؟.
ويستنبط منه من الأحكام ما استنبط من الحديث السابق. وفيه أيضا: جواز طلب البائل من صاحبه القرب منه ليستره. وفيه: أنه، عليه الصلاة والسلام، كان إذا أراد قضاء حاجة الإنسان توارى عن أعين الناس بما يستره من حائط أو نحوه، وقال ابن بطال: من السنة أن يقرب من البائل إذا كان قائما، هذا إذا أمن أن يرى منه عورة، وأما إذا كان قاعدا فالسنة البعد منه، وإنما انتبذ حذيفة منه لئلا يسمع شيئا مما جرى في الحديث، فلما بال، عليه الصلاة والسلام، قائما، وأمن، عليه الصلاة والسلام، ما خشيه حذيفة أمره بالقرب منه. وقال الكرماني: وإنما بعد منه وعينه تراه لأنه كان يحرسه، اي: يحرس النبي، عليه الصلاة والسلام. قلت: هذا إنما يتأتى قبل نزول قوله تعالى: * (والله يعصمك من الناس) * (المائدة: 67) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحرسه جماعة من الصحابة قبل نزول هذه الآية، فلما نزلت ترك صلى الله عليه وسلم الحرس.
62 ((باب البول عند سباطة قوم)) أي: هذا باب في بيان حكم البول عند جماعة من الناس، وهذا الباب، والبابان اللذان قبله، حديث حذيفة رضي الله عنه، غير أن كلا منها عن شيخ، وترجم لكل واحد منها ترجمة تناسب معنى من معاني الحديث المذكور.
والمناسبة بينها ظاهرة لا تطلب.
226 حدثنا محمد بن عرعرة قال حدثنا شعبة عن منصور عن أبي وائل قال كان أبو موسى الاشعري يشدد في البول ويقول إن بني إسرائيل كان إذا أصاب ثوب أحدهم فرضه فقال حذيفة ليته امسك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائما.
مطابقته للترجمة ظاهرة. قيل: إتيان حديث واحد من شخص واحد في ثلاثة أبواب ليس له زيادة فائدة. قلت: فائدته تنادي بأعلى صوته، ولكن قاصر الفهم بمعزل من هذه الفائدة.
بيان رجاله وهم ستة، كلهم قد تقدموا، وتقدم ذكر أبي
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»