عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٣٠
يحتاج إلى الغسل لظاهر رواية مسلم. ولم يغسله، وعن هذا قال بعضهم بطهارة بوله. وقال النووي: الخلاف في كيفية تطهير الشيء الذي بال عليه الصبي، ولا خلاف في نجاسته، وقد نقل بعض أصحابنا إجماع العلماء على نجاسة بول الصبي، وأنه لم يخالف فيه إلا داود. وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال، ثم القاضي عياض عن الشافعي وغيره أنهم قالوا: بول الصبي طاهر وينضح، فحكايته باطلة قطعا. قلت: هذا إنكار من غير برهان، ولم ينقل هذا عن الشافعي وحده، بل نقل عن مالك أيضا أن بول الصغير الذي لا يطعم طاهر، وكذا نقل عن الأوزاعي وداود الظاهري، ثم قال النووي وكيفية طهارة بول الصبي والجارية على ثلاثة مذاهب: وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا: الصحيح المشهور المختار أنه يكفي النضح في بول الصبي ولا يكفي في بول الجارية، بل لا بد من غسله كغيره من النجاسات. والثاني: أنه يكفي النضح فيهما. والثالث: لا يكفي النضح فيهما، وهما شاذان ضعيفان. وممن قال بالفرق: علي بن أبي طالب وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن وهب من أصحاب مالك، رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وروي عن أبي حنيفة، رحمه الله تعالى، قلت: علم من ذلك أن الصحيح من مذهب الشافعي هو التفريق بين حكم بول الصبي وبول الصبية قبل أن يأكل الطعام، وأنه يدل على أن بول الصبي طاهر، وبول الصبية نجس، وبه قال أحمد وإسحق وأبو ثور.
واحتجوا على ذلك بأحاديث منها: حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، المذكور. لأن اتباع الماء البول هو النضح دون الغسل، ولهذا صرح في رواية مسلم: (ولم يغسله)، وعدم الغسل دل على طهارة بول الصبي. ومنها: حديث علي، رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرضيع: (يغسل بول الجارية وينضح بول الغلام)، أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة. ومنها: حديث لبابة بنت الحارث، أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: (كان الحسين بن علي، رضي الله تعالى عنهما، في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال عليه، فقلت: إلبس ثوبا وأعطني إزارك حتى أغسله. قال:
إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر)، أخرجه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في (صحيحه) والكبحي في (سننه) والبيهقي أيضا في (سننه) من وجوه كثيرة، والطحاوي أيضا من وجهين. ومنها: حديث أم قيس على ما يأتي عن قريب إن شاء الله. ومنها: حديث زينب بنت جحش، رضي الله تعالى عنها، أخرجه الطبراني في (الكبير) مطولا، وفيه: (أنه يصب من الغلام ويغسل من الجارية)، وفي إسناده: ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. ومنها: حديث أبي السمح، أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة قال: (كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم....) الحديث، وفيه: (يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)، وأبو السمح، بفتح السين المهملة وسكون الميم وفي آخره حاء مهملة، ولا يعرف له اسم ولا يعرف له غير هذا الحديث، كذا قاله أبو زرعة الرازي، وقيل: اسمه إياد. ومنها: حديث عبد الله بن عمرو، أخرجه الطبراني في (الأوسط) عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصبي فبال عليه، فنضحه وأتي بجارية فبالت عليه فغسله). ومنها: حديث ابن عباس، أخرجه الدارقطني عنه، قال: (أصاب النبي صلى الله عليه وسلم أو، جلده، بول صبي وهو صغير، فصب عليه من الماء بقدر البول). ومنها: حديث أنس بن مالك أخرجه الطبراني في (الكبير) مطولا، وفيه: (يصب على بول الغلام ويغسل بول الجارية). وفي إسناده نافع بن هرمز، وأجمعوا على ضعفه. ومنها: حديث أبي أمامة، أخرجه أيضا في (الكبير): (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بالحسين فجعل يقبله، فبال عليه، فذهبوا ليتناولوه فقال: ذروة، فتركه حتى فرغ من بوله). وفي إسناده عمرو بن معدان، وأجمعوا على ضعفه. ومنها: حديث أم سلمة، رضي الله عنها، عنده أيضا في (الأوسط) أن الحسن، أو الحسين، بال على بطن النبي صلى الله عليه وسلم فقال، عليه الصلاة والسلام: (لا تزرموا ابني أو، لا تستعجلوه، فتركوه حتى قضى بوله، فدعا بماء فصبه عليه). ومنها: حديث أم كرز، أخرجه ابن ماجة عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل)، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه ومالك أنه لا يفرق بين بول الصغير والصغيرة في نجاسته، وجعلوهما سواء في وجوب غسله منهما، وهو مذهب إبراهيم النخعي وسعيد ابن المسيب والحسن بن حي والثوري.
وأجابوا عن ذلك بأن النضح هو صب الماء لأن العرب تسمي ذلك نضحا، وقد يذكر ويراد به الغسل، وكذلك الرش يذكر ويراد به الغسل.
أما الأول: فيدل عليه ما رواه أبو داود وغيره: (عن المقداد بن الأسود أن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ قال: علي: فأن
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»