في هذا الباب حال الغلام المميز في السماع، على أن القضية ههنا لابن عباس أيضا، كما كانت في الباب الأول، ومراده الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطا في التحمل. واختلفوا في السن الذي يصح فيه السماع للصغير، فقال موسى بن هارون الحافظ: إذا فرق بين البقرة والدابة. وقال أحمد بن حنبل: إذا عقل وضبط. وقال يحيى بن معين: أقل سن التحمل خمسة عشر سنة، لكون ابن عمر، رضي الله عنهما، رد يوم أحد، إذ لم يبلغها، ولما بلغ أحمد أنكر ذلك. وقال: بئس القول. وقال عياض: حدد أهل الصفة ذلك أن أقله سن محمود بن الربيع، ابن خمس. كذا ذكره البخاري. وفي رواية أخرى أنه كان ابن أربع، وقال ابن الصلاح: والتحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث من المتأخرين، فيكتبون لابن خمس سنين فصاعدا سمع ولدون حضر أو أحضر، والذي ينبغي في ذلك اعتبار التمييز، فإن فهم الخطاب ورد الجواب كان مميزا وصحيح السماع، وإن كان دون خمس. وإن لم يكن كذلك لم يصح سماعه ولو كان ابن خمس، بل ابن خمسين. وعن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: رأيت صبيا، ابن أربع سنين، قد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن ونظر في الآي، غير أنه إذا جاع بكى. وحفظ القرآن أبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني وله خمس سنين، فامتحنه فيه أبو بكر بن المقري وكتب له بالسماع وهو ابن أربع سنين، وحديث محمود لا يدل على التحديد بمثل سنه.
76 حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس قال: أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الإحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي.
.
مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن العلماء جوزوا المرور بين يدي المصلي، إذا لم يكن سترة، برواية ابن عباس هذه، وابن عباس تحمل هذا في حالة الصبى، فعلم منه قبول سماع الصبي إذا أداه بعد البلوغ. فإن قلت: الترجمة في سماع الصغير وليس في هذا الحديث سماع الصبي. قلت: المقصود من السماع هو وما يقوم مقامه لتقرير الرسول، عليه السلام، في مسألتنا لمروره. فإن قلت: عقد الباب على الصبي الصغير، أو الصغير فقط، على اختلاف الرواية، والمناهز للاحتلام ليس صغيرا، فما وجه المطابقة؟ قلت: المراد من الصغير غير البالغ، وذكره مع الصبي من باب التوضيح والبيان.
بيان رجاله: وهم خمسة، كلهم قد ذكروا، وإسماعيل هو: ابن عبد الله المشهور بابن أبي أويس، ابن أخت مالك، وابن شهاب: هو محمد بن مسلم الزهري، وعتبة، بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة.
بيان لطائف إسناده: منها: أن فيه التحديث بصيغة الجمع وصيغة الإفراد والعنعنة. ومنها: أن رواته كلهم مدنيون. ومنها: أن فيه رواية التابعي عن التابعي.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري هنا عن إسماعيل، وفي الصلاة عن عبد الله بن يوسف والقعنبي، ثلاثتهم عن مالك، وفي الحج عن إسحاق عن يعقوب بن إبراهيم ابن سعد عن ابن أخي ابن شهاب، وفي المغازي، وقال الليث: حدثني يونس. وأخرجه مسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى عن مالك، وعن يحيى بن يحيى، وعمرو الناقد، وإسحاق بن إبراهيم، ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة، وعن حرملة بن يحيى عن ابن وهب عن يونس، وعن إسحاق بن إبراهيم، وعن عبد بن حميد كلاهما عند عبد الرزاق عن معمر، خمستهم عنه به. وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان بن أبي شيبة عن سفيان به. وأخرجه الترمذي فيه عن محمد بن المالك أبي الشوارب عن يزيد بن زريع عن معمر نحوه. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور عن سفيان به، وفي العلم عن محمد بن سلمة عن ابن القاسم عن مالك، وأخرجه ابن ماجة في الصلاة عن هشام بن عمار عن سفيان به.
بيان اللغات: قوله: (على حمار)، قال في (العباب): الحمار العير، والجمع: حمير وحمر وحمر وحمرات واحمرة ومحمور، والحمارة: الأتان، والحمارة أيضا: الفرس الهجين، وهي بالفارسية: يالانى،، واليحمور حمار الوحش. (أتان)، بفتح الهمزة وبالتاء المثناة من فوق وفي آخره نون: وهي الأنثى من الحمر، وقد يقال، بكسر الهمزة، حكاه الصغاني في (شوارده)،