والجواز دليل على عدم إفساد الصلاة. وقال عياض: وقوله: (ناهزت الاحتلام) يصحح قول الواقدي: إن النبي صلى الله عليه وسلم، توفي وابن عباس ابن ثلاث عشرة سنة. وقول الزبير بن بكار: إنه ولد في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين. وما روي عن سعيد بن جبير عنه، توفي النبي، عليه الصلاة والسلام، وأنا ابن خمس عشرة سنة. قال أحمد: هذا هو الصواب، وهو يرد رواية من يروي عنه، أنه قال: توفي النبي، عليه الصلاة والسلام، وأنا ابن عشر سنين. وقد يتأول، إن صح، على أن معناه راجع إلى ما بعده، وهو قوله وقد قرأت (المحكم).
بيان استنباط الاحكام: الأول: فيه جواز سماع الصغير، وضبطه السنن والتحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية، وإنما يشترط عند الأداء. ويلتحق بالصبي في ذلك: العبد والفاسق والكافر. وقامت حكاية ابن عباس لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره مقام حكاية قوله. الثاني: فيه إجازة من علم الشيء صغيرا وأداه كبيرا، ولا خلاف فيه، وأخطأ من حكى فيه خلافا، وكذا الفاسق والكافر إذا أديا حال الكمال. الثالث: فيه احتمال بعض المفاسد لمصلحة أرجح منها، فإن المرور أمام المصلين مفسدة، والدخول في الصلاة وفي الصف مصلحة راجحة، فاغتفرت المفسدة للمصلحة الراجحة من غير إنكار. الرابع: فيه جواز الركوب إلى صلاة الجماعة. الخامس: قال المهلب: فيه أن التقدم إلى القعود لسماع الخطبة إذا لم يضر أحدا والخطيب يخطب جائز، بخلاف ما إذا تخطى رقابهم. السادس: أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، وعليه بوب أبو داود، في (سننه)، وما ورد من قطع ذلك محمول على قطع الخشوع. السابع: فيه صحة صلاة الصبي. الثامن: فيه أنه إذا فعل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم شيء ولم ينكره فهو حجة. التاسع: جواز إرسال الدابة من غير حافظ أو مع حافظ غير مكلف. العاشر: قال ابن بطال وأبو عمر والقاضي عياض: فيه دليل على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، وكذا بوب عليه البخاري، وحكى ابن بطال وأبو عمر فيه الإجماع. قالا: وقد قيل: الإمام نفسه سترة لمن خلفه، وأما وجه الدلالة فقال عياض: قوله: فلم ينكر ذلك أحد، لأنه إن كان النبي صلى الله عليه وسلم رآه، وهو الظاهر لقوله، بين يدي الصف فهو حجة لتقريره، وإن كان بموضع لم يره فقد رآه أصحابه بجملتهم فلم ينكروه، ولا أحد منهم، فدل على أنه ليس عندهم بمنكر، وقال غيره: يحتمل أن لفظة: أحد، تشمل النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، لما فيها من العموم، لكنه ضعيف بأنه لا معنى لعدم إنكار غير النبي صلى الله عليه وسلم مع حضوره صلى الله عليه وسلم، وعدم إنكاره أيضا، فيجوز أن يكون الصف ممتدا فلا يراه النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا أن ابن عباس ذكر الرائين ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم احترازا منه. قلت: فعلى هذا لا يكون من باب المرفوع قطعا، بل مما يتوجه فيه الخلاف، ويحتمل كما قالوا في شبهه. وقال أبو عمر: حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، هذا يخص بحديث ابن سعيد الخدري، رضي الله عنه، يرفعه: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه). قال: فحديث أبي سعيد هذا يحمل على الإمام والمنفرد، فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه لحديث ابن عباس هذا، قال: وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء، ومما يوضحه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، أو العصر، فجاءت بهيمة تمر بين يديه، فجعل يدرؤها حتى رأيته ألصق منكبيه بالجدار فمرت من خلفه). قلت: أخرجه أبو داود من أبو داود من أوله: كان يصلي إلى جدر، وفيه: حتى ألصق بطنه بالجدر. وبوب عليه: باب سترة الإمام سترة لمن خلفه. قال: والمرور بين يدي المصلي مكروه إذا كان إماما أو منفردا أو مصليا إلى سترة، وأشد منه أن يدخل المار بين السترة وبينه، وأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه، كما أن الإمام أو المنفرد لا يضر واحد منهما ما مر من وراء سترته، لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه. وقد قيل: إن الإمام نفسه سترة لمن خلفه. قال: وهذا كله إجماع لا خلاف فيه. وقال ابن بطال: اختلف أصحاب مالك فيمن صلى إلى غير سترة في فضاء يأمن أن يمر أحد بين يديه، فقال ابن القاسم: يجوز ولا حرج عليه، وقال ابن الماجشون ومطرف: السنة أن يصلي إلى سترة مطلقا. قال: وحديث ابن عباس يشهد لصحة قول ابن القاسم وهو قول عطاء وسالم وعروة والقاسم والشعبي والحسن، وكانوا يصلون في الفضاء إلى غير سترة، وسيأتي بسط الكلام فيه في موضعه إن شاء الله تعالى.
77 حدثني محمد بن يوسف قال: حدثنا أبو مسهر قال: حدثني محمد بن حرب حدثني