وسعيد بن جبير فجعلوا يسألون عكرمة عن حديث ابن عباس، فجعل يحدثهم. وسعيد كلما حدث بحديث وضع أصبعه الإبهام على السبابة، أي سوى، حتى سألوه عن الحوت وقصة موسى، فقال عكرمة: كان يسايرهما في ضحضاح من الماء، فقال سعيد: أشهد على ابن عباس أنه قال: يحملانه في مكتل، يعنى الزنبيل. قال أيوب: ورأيي، والله أعلم، أن ابن عباس حدث بالخبرين جميعا. الخامس: عبد الله بن عباس.
بيان الأنساب: المنقري، بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف بعدها راء، نسبة إلى منقر بن عبيد بن الحارث، وهو مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعيد بن زيد مناة بن تميم. قال ابن دريد: من نقرت عن الأمر: كشفت عنه. التميمي: في مضر ينسب إلى تميم بن مر ابن أد بن طابخة بن الياس. العنبري، بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة بعدها راء، في تميم ينسب إلى العنبر بن عمرو بن تميم.
بيان لطائف إسناده: منها: أن فيه التحديث، والعنعنة. ومنها: أن رواته بصريون خلا عكرمة وابن عباس. وهما أيضا سكنا البصرة مدة. ومنها: أن إسناده على شرط الأئمة الستة، قاله بعض الشارحين. وفيه نظر. ومنها: أن فيه رواية تابعي عن تابعي.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه هنا عن أبي معمر، وأخرجه أيضا في فضائل الصحابة عن أبي معمر ومسدد عن عبد الوارث وعن موسى عن وهيب، كلاهما عن خالد، قال أبو مسعود الدمشقي: هو عند القواريري عن عبد الوارث، وأخرجه أيضا في الطهارة عن عبد الله بن محمد، حدثنا هاشم بن القاسم. وأخرجه مسلم في فضائل ابن عباس، حدثنا زهير وأبو بكر بن أبي النصر، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا ورقاء عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس، رضي الله عنهما. وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمد بن بشار عن الثقفي عن عبد الوارث به، وقال: حسن صحيح، وأخرجه النسائي فيه عن عمر بن موسى عن عبد الوارث به. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن محمد بن المثنى وأبي بكر بن خلاد، كلاهما عن الثقفي به.
بيان اللغات: قوله: (ضمني): من ضم يضم ضما، وضممت الشيء إلى الشيء فانضم إليه، وهو من باب: نصر ينصر. قوله: (اللهم) أصله: يا الله، فحذف حرف النداء وعوض عنه الميم، ولذلك لا يجتمعان. وأما قول الشاعر:
* وما عليك أن تقول كلماسبحت أو صليت يا اللهما * أردد علينا شيخنا مسلما فليس يثبت، وهذا من خصائص اسم الله تعالى، كما اختص بالباء في القسم، وبقطع همزته في: يا الله، وبغير ذلك. وكأنهم لما أرادوا أن يكون نداؤه باسمه متميزا عن نداء عباده بأسمائهم من أول الأمر، حذفوا حرف النداء من الأول وزادوا الميم لقربها من حرف العلة، كالنون في الآخر، وخصت لأن النون كانت ملتبسة بضمير النساء صورة، وشددت لأنها خلف من حرفين، واختار سيبويه أن لا توصف، لأن وقوع خلف حرف النداء بين الموصوف والصفة، كوقوع حرف النداء بينهما، ومذهب الكوفيين أن أصله: يا الله أم، أي: أقصد بخير، فتصرف فيه، ورجح الأكثرون قول البصريين، ورجح الإمام فخر الدين الرازي قول الكوفيين من وجه وكأن الأصل أن: يا، الذي هو حرف النداء لا يدخل على ما فيه الألف واللام إلا بواسطة، كقوله تعالى: * (يا أيها المزمل) * (المزمل: 1) وشبهه، وإنما ادخلوها هنا لخصوصية هذا الاسم الشريف بالله تعالى، واللام فيه لازمة غير مفارقة لأنها عوض عما حذف منه، وهي الهمزة.
بيان الإعراب: قوله: (ضمني) فعل ومفعول، و: (رسول الله) فاعله، والجملة مقول القول. قوله: (وقال)، عطف على: (ضمني). قوله: (اللهم علمه الكتاب)، مقول القول، والهاء في: علمه، مفعول أول لعلم، و: الكتاب، مفعول ثان. فإن قلت: هذا الباب، أعني: التعليم، يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، ومفعوله الأول كمفعول أعطيت، والثاني والثالث كمفعولي: علمت، يعني لا يجوز حذف الثاني أو الثالث فقط، فكيف ههنا؟ قلت: علمه بمعنى عرفه، فلا يقتضي إلا مفعولين.
بيان المعاني: قوله: (ضمني) فيه حذف تقديره ضمني إلى نفسه، أو إلى صدره، وقد جاء بذلك مصرحا في روايته الأخرى عن مسدد عن عبد الوارث: (إلى صدره). قوله: (الكتاب) أي: القرآن، لأن الجنس المطلق محمول على الكامل، ولأن العرف الشرعي عليه، أو لأن اللام للعهد. فإن قلت: المراد نفس القرآن أي: لفظه، أو معانيه أي: أحكام الدين؟ قلت: اللفظ، باعتبار دلالته على معانيه، ووقع في رواية مسدد: (الحكمة) بدل: (الكتاب). وذكر الإسماعيلي أن ذلك هو الثابت في الطرق كلها عن خالد الحذاء، وفيه نظر، لأن البخاري أخرجه أيضا من حديث وهيب عن خالد بلفظ: الكتاب،