من جملة المخاطبين بذلك فهم اذن غيرهم وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم جاء أهل اليمن وإنما جاء حينئذ غير الأنصار ثم أنه صلى الله عليه وسلم وصفهم بما يقضى بكمال ايمانهم ورتب عليه الايمان يمان فكان ذلك إشارة للايمان إلى من أتاه من أهل اليمن لا إلى مكة والمدينة ولا مانع من اجراء الكلام على ظاهره وحمله على أهل اليمن حقيقة لان من اتصف بشئ وقرى قيامه به وتأكد اطلاعه منه ينسب ذلك الشئ إليه اشعارا بتميزه به وكمال حاله فيه وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الايمان وحال الوافدين منه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى أعقاب موته كأويس القرني وأني مسلم الخولاني رضي الله عنهما وشبههما ممن سلم قلبه وقوى ايمانه فكانت نسبة الايمان إليهم لذلك اشعارا بكمال ايمانهم من غير أن يكون في ذلك نفى له عن غيرهم فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم الايمان في أهل الحجاز ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان فان اللفظ لا يقتضيه هذا هو الحق في ذلك ونشكر الله تعالى على هدايتنا له والله أعلم قال وأما ما ذكر من الفقه والحكمة فالفقه هنا عبارة عن الفهم في الدين واصطلح بعد ذلك الفقهاء وأصحاب الأصول على تخصيص الفقه بادراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها وأما الحكمة ففيها أقوال كثيرة مضطربة قد اقتصر كل من قائليها على بعض صفات الحكمة وقد صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك وقال أبو بكر بن دريد كل كلمة وعظتك وزجرتك أودعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ان من الشعر حكمة وفى بعض الروايات حكما والله أعلم قال الشيخ وقوله صلى الله عليه وسلم يمان ويمانية هو بتخفيف الياء عند جماهير أهل العربية لأن الألف المزيدة فيه عوض من ياء النسب المشددة فلا يجمع بينهما وقال ابن السيد في كتابه الاقتضاب حكى المبرد وغيره أن التشديد لغة قال الشيخ وهذا غريب قلت وقد حكى الجوهري وصاحب المطالع وغيرهما من العلماء عن سيبويه أنه حكى عن بعض العرب أنهم يقولون اليماني بالياء المشددة وأنشد لأمية بن خلف يمانيا يظل يشب كيرا * وينفخ دائما لهب الشواظ والله أعلم قال الشيخ وقوله صلى الله عليه وسلم ألين قلوبا وأرق أفئدة المشهور أن
(٣٣)