فإنه أشد الأركان وأقواها وأمنعها ومعنى الحديث والله أعلم أن لوطا صلى الله عليه وسلم لما خاف على أضيافه ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه واشتد حزنه عليهم فغلب ذلك عليه فقال في ذلك الحال لو أن لي بكم قوة في الدفع بنفسي أو آوى إلى عشيرة تمنع لمنعتكم وقصد لوط صلى الله عليه وسلم اظهار العذر عند أضيافه وانه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريق ما لفعله وأنه بذل وسعه في اكرامهم والمدافعة عنهم ولم يكن ذلك اعراضا منه صلى الله عليه وسلم عن الاعتماد على الله تعالى وإنما كان لما ذكرناه من تطيب قلوب الأضياف ويجوز أن يكون نسي الالتجاء إلى الله تعالى في حمايتهم ويجوز أن يكون التجأ فيما بينه وبين الله تعالى وأظهر للأضياف التألم وضيق الصدر والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم (ولو لثبت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي) فهو ثناء على يوسف صلى الله عليه وسلم وبيان لصبره وتأنيه والمراد بالداعي رسول الملك الذي أخبر الله سبحانه تعالى أنه قال به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن فلم يخرج يوسف صلى الله عليه وسلم مبادرا إلى الراحة ومفارقة السجن الطويل بل تثبت وتوقر وراسل الملك في كشف أمره الذي سجن بسببه ولتظهر براءته عند الملك وغيره ويلقاه مع اعتقاده براءته مما نسب إليه ولا خجل من يوسف ولا غيره فبين نبينا صلى الله عليه وسلم فضيلة يوسف في هذا وقوة نفسه في الخير وكمال صبره وحسن نظره وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه ما قاله تواضعا وايثارا للابلاغ في بيان كمال فضيلة يوسف صلى الله عليه وسلم والله أعلم وأما ما يتعلق بأسانيد الباب ففيه مما تقدم بيانه المسيب والد سعيد وهو بفتح الياء على المشهور الذي قاله الجمهور ومنهم من يكسرها وهو قوله أهل المدينة وفيه أو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف واسمه عبد الله على المشهور وقيل اسمه إسماعيل وقل لا يعرف اسمه وفيه قول مسلم رحمه الله وحدثني به إن شاء الله تعالى عبد الله بن أسماء هذا مما قد ينكره على مسلم من العلم عنده ولا خبرة لديه لكون مسلم رحمه الله قال وحدثني به إن شاء الله تعالى فيقول كيف يحتج بشئ يشك فيه وهذا خيال باطل من قائله فان مسلما رحمه الله لم يحتج بهذا الاسناد وإنما ذكره متابعة واستشهادا وقد قدمنا أنهم يحتملون في المتابعات والشواهد مالا يحتملون في الأصول والله
(١٨٥)