فقال معاوية يوما والوليد وقبيصة عنده: يا قبيصة ما كان شأنك وشأن الوليد؟
قال: خير يا أمير المؤمنين، إنه في أول الأمر وصل الرحم، وأحسن الكلام، فلا تسأل عن شكر وحسن ثناء، ثم غضب على الناس وغضبوا عليه، وكنا معهم، فإما ظالمون فنستغفر الله، وإما مظلومون فيغفر الله له، فخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين، فإن الحديث ينسي القديم، قال معاوية: ما أعلمه ألا قد أحسن السيرة، وبسط الخير، وقبض الشر، قال: فأنت يا أمير المؤمنين اليوم أقدر على ذلك فافعله، فقال: اسكت لأسكت، فسكت وسكت القوم، فقال معاوية بعد يسير: ما لك لا تتكلم يا قبيصة؟ قال: نهيتني عما كنت أحب، نسكت عما لا أحب.
* حدثني محمد بن زكريا الغلابي، عن عبد الله بن الضحاك، عن هشام بن محمد، عن أبيه قال: وفد الوليد بن عقبة، وكان جوادا، إلى معاوية فقيل له: هذا الوليد بن عقبة بالباب، فقال: والله ليرجعن مغيظا غير معطى، فإنه الآن قد أتانا يقول: علي دين وعلي كذا، إئذن له، فأذن له، فسأله وتحدث معه، ثم قال له معاوية: أما والله إن كما لنحب إتيان مالك بالوادي، ولقد كان يعجب أمير المؤمنين، فإن رأيت أن تهبه ليزيد فافعل، قال هو ليزيد، ثم خرج وجعل يختلف إلى معاوية، فقال له يوما أنظر يا أمير المؤمنين في شأني، فإن علي مؤونة، وقد أرهقني دين، فقال له: ألا تستحي لنفسك وحسبك، تأخذ ما تأخذه فتبذره، ثم لا تنفك تشكو دينا، فقال الوليد: إفعل ثم انطلق من مكانه فسار إلى الجزيرة وقال: يخاطب معاوية:
فإذا سألت تقول: لا * وإذا سألت تقول: هات تأبى فعال الخير لا تروي * وأنت على الفرات أفلا تميل إلى نعم أو ترك * - لا - حتى الممات وبلغ معاوية شخوصه إلى الجزيرة فخافه، وكتب إليه أقبل، فكتب: