دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ٢٥٣
فقد جبلت القلوب على التأثر بالأمثلة وثبوت المعاني فيها بواسطتها، والرسل إنما يكلمون الناس في الدنيا، وهي بالإضافة إلى الآخرة نوم والنائم إنما يحتمل المثال، فيوصلون المعاني إلى أفهامهم بالأمثلة حكمة من الله سبحانه، ولطفا منه تعالى بعباده، وتيسيرا لإدراك ما يعجزون عن إدراكه دون ضرب المثل. وقيل: بل يخلق الله كبشا يسميه الموت ويلقي في قلوب الجمع أنه الموت، ويجعل ذبحه دليلا على الخلود في الدارين الجنة والنار، والذابح ملك الموت الذي يعرفه أهل الجمع لأنه المتولي قبض أرواحهم.
وربما جاء بالمعنى العرفي دون الاصطلاحي الشايع، مثاله: " آفة الدين ثلاثة: فقيه فاجر وإمام جائر ومجتهد جاهل " رواه الديلمي في فردوس الأخبار المسمى ب‍ " مأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب " والمؤلف عماد الإسلام أبو شجاع الديلمي ألفه محذوف الأسانيد مرتبا على ترتيب الحروف. والنظر في قوله عليه السلام.
" مجتهد جاهل " وكيف يكون المجتهد جاهلا، والصواب أن المراد بالمجتهد غير معناه الاصطلاحي بل اللغوي وهو الذي يعبد مجدا في العبادة مع الجهل بأحكام الدين، والجهل هو التقدم في الأمور المبهمة بغير علم.
المحكم والمتشابه:
فالمحكم في اللغة: المتقن، وفي العرف هو الخطاب الدال على معنى لا يحتمل غيره، والمتشابه خلافه، والمحكم على هذا التفسير مختص بالنص، والمتشابه يتناول الظاهر والمأول والمجمل، فإن كل واحد من هذه الثلاثة يحتمل غيره إلا أن ذلك الغير في الظاهر مرجوح وفي المأول راجح في المجمل مساو، وقيل: المحكم ما اتضح دلالته وهو بهذا المعنى يتناول النص والظاهر، والمتشابه يتناول المأول والمجمل، وقد تقدم.
أما الصريح والظاهر فمثالهما:
ما رواه الشيخ في التهذيب (في الزيادات باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس بالرقم 29) مسندا " عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثياب السابرية تعملها المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال، ألبسها ولا أغسلها وأصلي فيها؟ قال: نعم، قال معاوية: فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له إزرارا ورداء من السابري، ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»