دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ٢٥٤
النهار، فكأنه عرف ما أريد، فخرج فيها إلى الجمعة " وهذا كما ترى صدره نص في الجواز، وذيله ظاهر فيه.
خامسها: معرفة العام والخاص والمطلق والمقيد منه، وهي في الظاهر كانت من مباحث أصول الفقه، لكن المراد من العام والخاص في اصطلاح المحدثين غيرهما في اصطلاح الأصوليين، فالخاص عندهم هو الحكم الذي ورد عن النبي أو المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين في قوم بأعيانهم أو رجل بعينه، مثل ذم أهل الاجتهاد، والمتكلمين والصوفية، فإنه خاص بأصحاب الرأي والتعصب والبدع منهم، مثل ما ورد في النهي عن مخالطة الأكراد، وذم أهل السوق، وذم الحائكين، وذم الشعر والشعراء وأمثال ذلك، كلها خاص بطائفة خاصة كانوا على صفة أو عمل أو عقيدة لا يرضى بها الشارع، والذم لما كانوا عليه من الوصف، لا من حيث ذواتهم وقبائلهم، وقوميتهم.
والعام أيضا هو الحكم الشامل للجميع، وأن ورد في مورد خاص، مثل قول النبي صلى الله عليه وآله لعروة البارقي: " بارك الله في صفقة يمينك " حيث أعطاه مبلغا ليشتري له عليه السلام شاة، واشترى بالمبلغ شاتين فأمضى صلى الله عليه وآله شراءه. فكما ترى أن خطابه خاص بعروة، وحكمه عام لكل بيع فضولي رضي به المتبايعان بعد العقد، وربما وهم أهل الظاهر أن مثل ذلك قياس، وليس به بل هو تفهم وتعقل ودراية يعرف بها من اللفظ أن الحكم الخاص بمورد، هو عام يشمل الجميع، وذكر الخاص وإرادة العام منه بقرينة ليس خروجا عن متعارف التكلم، والعمل به ليس تعديا عن النص.
فما ورد من أن أبا عبد الله عليه السلام أمر أن يكتب على كفن ولده " إسماعيل يشهد أن لا اله إلا الله " فمعناه أن كل أحد يستحب له أن يكتب اسم ميته، وهذا باب واسع، ونظائره كثيرة. وما ورد من النهي عن مخالطة الأكراد ومعاملتهم - على فرض صحة صدوره، وليست بمعلومة - فالظاهر كون المراد منه جماعة خاصة منهم، لا كل من اشتهر بهذا العنوان وإن كان مسلما مؤمنا.
ومما يناسب ذلك العنوان ما قاله الصدوق - رحمه الله - في عقائده في الأخبار
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»