بظهور عبائر المشهور، بل صراحتها في نفي ذلك، مع أن الظاهر خلافه، بل هو استدلال بالأعم، لإمكان أن يكون منشأ إجماعهم مع اختلاف مشاربهم هو وقوفهم على نهاية دقة المقول فيه ذلك اللفظ في نقل الرواية، بحيث لا يروي إلا ما علم أو ظن بصحته مع معرفته بعيوب الرواية والرواة، وهذا لا يستلزم وثاقته في نفسه غاية الأمر كونه ثقة في النقل خاصة كما مر في اللفظ المزبور، إلا أن هناك استظهرنا وثاقته في نفسه من قرائن اخر. فلو وجد مثلها في المقام، لم نكن نأبى عنه، وإلا فالمسلم وثاقته في الحديث، لا وثاقته في نفسه، حتى يحكم بكونه ثقة بالاصطلاح المتأخر.
فإن قلت: إنا لم نستفد من نفس العبارة وثاقة هؤلاء في أنفسهم، فلا أقل من استفادة ذلك بضميمة أنه يبعد كل البعد عدم وثاقة الراوي في نفسه بالمعنى الأخص، ومع ذلك اتفق جميع العصابة على تصحيح جميع ما رواه على الاعتماد على أحاديثه وأخباره، مع ملاحظة أن كثيرا من الأعاظم الثقات من الرواة لم يتحقق منهم الاتفاق على تصحيح حديثه، ولا قيل في حقه هذا القول، ولا ادعيت هذه الدعوى له، فليس إلا لكون هؤلاء بمرتبة فوق العدالة بمراتب.
قلت: نعم، ولكنا لما وجدنا منهم من هو فطحي كعبد الله بن بكير، بل والحسن بن علي بن فضال على قول، علمنا بأن المراد بالوثاقة الموثقية والعدالة بالمعنى الأعم دون الوثاقة، فتأمل جيدا. وأما التفسير الرابع فقد قيل: إن منشأه الأخذ بالتفسير الأول مع حمل لفظ التصحيح والصحة في العبارة على الصحة بالاصطلاح المتأخر المتوقفة على عدالة الرواة. وأنت خبير بأنه لا وجه لذلك، لأن العبارة المزبورة أصلها من الكشي ونحوه من القدماء الذين لم يكن اصطلاحهم في لفظ الصحيح هو الاصطلاح المتأخر. بل الصحة في اصطلاحهم عبارة عن كون الرواية معتبرة وثوقا بصدورها عن المعصوم عليه السلام، ولو لقرائن خارجية. فلازم حمل كلام كل ذي اصطلاح على مصطلحه هو كون مرادهم بالإجماع على صحة ما يصح عن هؤلاء، الإجماع على كون ما يوثق برواية هؤلاء له موثوقا بصدوره عن المعصوم عليه السلام ولو لقرائن خارجية.
وقد تلخص من ذلك كله أن المعتمد في تفسير العبارة هو التفسير الأول. وأن