معاوية، ولم يشبع منها نهمه وشرهه، لقد امضى شطرا من حياته مع أبيه يجاهدان ويعملان بكل ما لديهما من قوة لاطفاء نور الله، والقضاء على الدعوة الاسلامية التي جاء بها محمد بن عبد الله، ولم يدخلا في الاسلام الا بعد إذ وجدا ان لا مفر لهما من سيوف المسلمين، فنطقا بالشهادتين مرغمين، وتسترا بالاسلام، وهما يكيدان له ويعملان في جو من السرية والتكتم مع المنافقين لتقويض دعائمه بمختلف الوسائل وكان الله لهما ولغيرهما بالمرصاد يخبر رسوله بما يسرون وما يعلنون وظن أبو سفيان ان الفرصة قد سنحت له بوفاة الرسول (ص)، وكان غائبا عن المدينة حين ذاك كما جاء في رواية أبي هريرة، ولما رجع وبلغه ان أبا بكر قام بالامر، قال أبو الفضيل يعني بذلك أبا بكر: اني لأرى فتقا لا يرأبه الا الدم (1) فجاء ليغري عليا بالحشود التي تؤيده ضد الحكم القائم على حد زعمه متخذا من ذلك وسيلة للقضاء على رسالة محمد (ص) التي حاربها هو وزوجته وأولاده من قبل، ولكن عليا الذي لا يفكر الا في مصلحة الاسلام، والذي وهب حياته وكل ما لديه في هذا السبيل، يدرك جيدا ما تنطوي عليه تلك العروض المغرية من رجل كأبي سفيان ويرى من واجبه ان يكون الدعامة الأصيلة للاسلام، أيا كان الحاكم فرد عليه معلنا له رأيه فيه وفي أمثاله الذين يبيتون الغدر والمكر والنفاق، فقال: انك يا أبا سفيان ما زلت تكيد للاسلام وتعاديه، وانك تنوي من وراء ذلك الشر والغدر، فانطوى على نفسه هو وولده ومن على شاكلتهما من المنافقين يحز الألم تموسهم، ويكل الحقد قلوبهم، لا سيما والاسلام قد تغلب على حركة المرتدين واكتسح الامبراطوريتين الفارسية والرومانية في بضع سنوات ممدودات، ففقد أبو سفيان وأسرته الامل في مقاومة الاسلام عن طريق الثورات الداخلية التي وضعها في حسابه، واتجه إلى العمل بأسلوب جديد، فتملق إلى الخليفة الحاكم ليحتفظ لولده بمركز
(٩٩)