الشيعة قد أسرفوا في التشنيع عليهم من غير أن يتفهموا المراد منه، مع العلم بان البداء بالمعنى الذي نذهب إليه لا يتنافى مع أصول الاسلام، ولا يلزمه شئ من المحاذير، وغالى أكثرهم في التشنيع على الشيعة فادعوا بأن فكرة البداء من مخترعات المختار بن عبيدة الثقفي ومنه انتقلت إلى الشيعة وأصبحت عقيدة لهم على حد تعبيرهم، وذلك حينما بلغ الصراع أشده بينه وبين مصعب بن الزبير، وأرسل جيشا لحرب مصعب بقيادة أحد اتباعه (أحمد بن شميط) وقال لهم: إذ الوحي قد أخبره بان الظفر سيكون لكم، وشاءت الصدف ان ينهزم اتباعه في جميع المعارك التي دارت بينهم وبين الزبيريين، فقال لهم، لقد وعدني ربي بالنصر، ثم بدا له، وتلي عليهم قوله تعالى:
" يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " وأضافوا إلى ذلك أنه كان أحيانا يخبر أصحابه بأمور ينسبها إلى الله تعالى بقصد تضليل البسطاء والمغفلين من اتباعه، فإذا ظهر لهم خلافها، قال بدا لربكم، وانطلقوا من هذه الأساطير إلى أن هذه المقالة راجت بين الشيعة، وأصبحت جزء من عقائدهم، فأضافوا إلى أقوال الأئمة على حد تعبيرهم، وفسروا البداء بأن الله سبحانه يتعلق علمه بشئ، ثم يبدو له تركه لوجود مفسدة فيه كانت خافية عليه أولا، أو لرجحان تركه على فعله، ولازم ذلك تبدل ارادته وتجدد علمه، وذلك لا يكون الا لمن يجهل العواقب وتخفى عليه جهات الصلاح والفساد، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
بهذا التسلسل لتاريخ البداء، وبهذا المعنى الذي لا يتناسب مع عظمة الخالق انطلق الكتاب والمؤلفون وغيرهم للهجوم على الشيعة قديما وحديثا، مع العلم بان الشيعة وبخاصة الاثنا عشرية منهم ينزهون الله سبحانه ويعظمونه أكثر من جميع الفرق، ويرون ان البداء بهذا المعنى