ويتحرز الاخذ من غير الموثوقين، فالمبتدع بناء على ذلك مهما كانت بدعته إذا كان صدوقا يتجنب الكذب ويتحرى الصواب، ويبتعد عن غير الموثوقين. ينبغي ان تؤخذ روايته بعين الاعتبار، وإذا كان اشتراط العدالة راجعا إلى أن الفسق بذاته يمنع من قبول الشهادة والرواية، من حيث كونه نقصا يسلب المتصف به أهلية الاعتماد عليه كالكفر مثلا، فالمبتدع من حيث كونه فاسقا يفقد أهلية تحمل الشهادة والرواية.
وقد رجح مانعية الفسق من الاعتماد على الرواية لا من حيث ذاته بل من حيث إن الفاسق متهم في حديثه، ولا يكون محلا للوثوق والاطمئنان في الغالب، وانتهى من هذه المقدمة إلى أن المبتدع مهما كانت بدعته، إذا كان ورعا صدوقا متمسكا في دينه لا يستحل الكذب، يصح الاخذ بمروياته والاعتماد عليه في الحديث وغيره، وإذا لم يكن بهذه الصفات لا يعتمد عليه في شئ من أمور الدين (1).
وهذا التفصيل من الغزالي أقرب إلى المنطق والصق بالواقع من جميع ما قيل حول المبتدع ومروياته وتؤيده الآية الكريمة.
(ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) حيث إن الظاهر من الآية الكريمة ان الفاسق إنما وجب التبين في حديثه والفحص عن صحته والوقوف عنده حتى ينكشف الحال من حيث احتمال كذبه، وعدم صدقه فيما أخبر به لا من حيث مانعية الفسق بذاتها. ولعل البخاري، لا ينظر إلى المبتدعة من الزاوية التي نظر منها الغزالي فلم يرو عمن ثبت تشيعه الا عن عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ولم يرد ذكر لاحد منهم في أكثر من رواية أو روايتين، ولعل ذلك من حيث إن الروايات التي وردت عن طريقهم رواها غيرهم من السنة