المعروف في عرف المحدثين بالموثق ممن يدينون بالتشجع كالفطحية والواقفية، أو من السنيين الموثوق بهم، هذا الصنف من الحديث يأتي بعد الصحيح مباشرة، وذكرنا ان بين أحاديث الكافي من هذا الصنف الفي حديث ومائة وثمانية عشر حديثا، وفي ذلك دلالة على أن الشيعة لم يبلغ بهم التعصب إلى عدم جواز الاخذ بكل ما يرويه المخالفون لهم في العقيدة، كما يدعي السنة، حتى ولو كان الراوي عن المعصوم معروفا بالاستقامة في دينه، والضبط لأسانيد الروايات ومتونها.
ويؤكد ذلك أن الكليني نفسه روى عن جماعة من العامة كحفص بن غياث القاضي الذي تولى القضاء للرشيد، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج، وطلحة بن زيد، وعباد بن يعقوب الرواجني، والنوفلي والسكوني، وعن الزهري ووهب بن وهب أبي البختري، وجاء في بعض كتب الرجال انه كان من قضاة العباسيين، وعن عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، وغيرهم ممن ورد ذكرهم في أسانيد الكافي. وإذا كان الأكثر من الشيعة يتشددون في رواية غير الامامي أو يعتبرون كون الراوي اماميا، فذلك لا يعني انه من ضرورات مذهبهم في الحديث، وإنما هو من الاجتهاد الذي تختلف فيه الأنظار والآراء، وكما ذكرنا ان اعتمادهم على مرويات الفطحية وغيرهم، وتدوينها في مجاميعهم، مع العلم بأنهم كانوا يسمونهم (بالكلاب الممطووة) مما يؤكد ان جماعة منهم يكتفون بعدالة الراوي في مذهبه، وان الاختلاف في العقيدة لا يمنع من الاعتماد على ما يرويه، إذا كان صادقا ومأمونا في النقل، والذي يؤيد هذا المبدأ ويؤكده قول الإمام العسكري (ع) في جواب من سأله عن مرويات بني فضال باعتبارهم من المنحرفين ص المخطط الاثني عشري: خذوا ما رووا وذروا ما رأوا هذا الحديث يرشد إلى أن فساد العقيدة لا يسري إلى فساد القول، فإذا قال المخالف لك، حقا وصدقا فخذ بقوله واعتمد عليه إذا كنت تثق بصدقه واستقامته، واترك رأيه ما دمت تعتقد بفساده.