الفصل الثامن «الفتنة الكبرى» خامسا:
«أسباب تصدي الإمام للفتنة» (559) 1 - الوقوف بوجه الفتنة في مهدها أسهل بكثير من الوقوف بوجهها عند ما تستفحل وتعم وتصبح حقيقة ثابتة:
ثم إنكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت، فاتقوا سكرات النعمة، واحذروا بوائق النقمة، وتتبتوا في قتام العشوة، واعوجاج الفتنة عند طلوع جنينها، وظهور كمينها، وانتصاب قطبها، ومدار رحاها، تبدأ في مدارج خفية، وتؤول إلى فظاعة جلية، شبابها كشباب الغلام، وآثارها كآثار السلام، يتوارثها الظلمة بالعهود، أولهم قائد لآخرهم، وآخرهم مقتد بأولهم، يتنافسون في دنيا دنية، ويتكالبون على جيفة مريحة.
وعن قليل يتبرأ التابع من المتبوع، والقائد من المقود، فيتزايلون بالبغضاء، ويتلاعنون عند اللقاء.
ثم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف، والقاصمة الزحوف، فتزيغ قلوب بعد استقامة، وتضل رجال بعد سلامة، وتختلف الأهواء عند هجومها، وتلتبس الآراء عند نجومها، من أشرف لها قصمته، ومن سعى فيها حطمته، يتكادمون فيها تكادم الحمر في العانة، قد اضطرب معقود الحبل، وعمي وجه الأمر، تغيض فيها الحكمة، وتنطق فيها الظلمة، وتدق أهل البدو بمسحلها، وترضهم بكلكلها، يضيع في غبارها الوحدان، ويهلك في طريقها الركبان، ترد بمر القضاء، وتحلب عبيط الدماء، وتثلم منار الدين، وتنقض عقد اليقين، يهرب منها الأكياس، ويدبرها الأرجاس، مرعاد مبراق، كاشفة عن