الجناحين!»، ولو لا ما نهى الله من تزكية المرء نفسه، لذكر ذاكر فضائل جمة، تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين، فدع عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا، والناس بعد صنائع لنا، لم يمنعنا قديم عزنا ولا عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا، فنكحنا وأنكحنا، فعل الأكفاء ولستم هناك، وأنى يكون ذلك ومنا النبي ومنكم المكذب، ومنا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف، ومنا سيدا شباب أهل الجنة، ومنكم صبية النار، ومنا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب، في كثير مما لنا وعليكم فإسلامنا قد سمع، وجاهليتنا لا تدفع، وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا، وهو قوله سبحانه وتعالى:
«وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله» وقوله تعالى:
«إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين» فنحن مرة أولى بالقرابة، وتارة أولى بالطاعة، ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله (ص) فلجوا عليهم، فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم (ر 28).
(إلى معاوية): فأراد قومنا قتل نبينا، واجتياح أصلنا، وهموا بنا الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل، ومنعونا العذب، وأحلسونا الخوف، واضطرونا إلى جبل وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، فعزم الله لنا على الذب عن حوزته، والرمي من وراء حرمته، مؤمننا يبغي بذلك الأجر، وكافرنا يحامي عن الأصل، ومن أسلم من قريش خلو مما نحن فيه بحلف يمنعه، أو عشيرة تقوم دونه، فهو من القتل بمكان أمن، وكان رسول الله (ص) إذا أحمر البأس، وأحجم الناس، قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر السيوف والأسنة، فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر، وقتل حمزة يوم أحد، وقتل جعفر يوم مؤتة، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة، ولكن آجالهم عجلت، ومنيته أجلت، فيا عجبا للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي، ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها، إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه، ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله على كل حال (ر 9).
ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية، وولاة أمر الأمة بغير قدم سابق، ولا شرف باسق (ر 10).
ولقد كنت معه (ص) لما أتاه الملأ من قريش، فقالوا له: يا محمد، إنك قد ادعيت