المعجم الموضوعي لنهج البلاغة - أويس كريم محمد - الصفحة ٣٣٠
الآخرين من هذا العالم، بأحجار لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام «الذي جعله للناس قياما». ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا، وأقل نتائق الدنيا مدرا، وأضيق بطون الأودية قطرا. بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خف، ولا حافز ولا ظلف. ثم أمر آدم عليه السلام وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه،... حتى يهزوا مناكبهم ذللا يهللون لله حوله، ويرملون على أقدامهم شعثا غبرا له. قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوهوا باعفاء الشعور محاسن خلقهم، ابتلاءا عظيما، وامتحانا شديدا، واختبارا مبينا، وتمحيصا بليغا، جعله الله سببا لرحمته، ووصلة إلى جنته. ولو أراد - سبحانه - أن يضع بيته الحرام، ومشاعره العظام، بين جنات وأنهار، وسهل وقرار، جم الأشجار، داني الثمار، ملتف البنى، متصل القرى، بين برة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، ورياض ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء. ولو كان الأساس المحمول عليها، والأحجار المرفوع بها، بين زمردة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس، ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجا للتكبر من قلوبهم، وإسكانا للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله، وأسبابا ذللا لعفوه (خ 192).
(438) 6 - أن لا يغتر بما يقدم من حسنات وطاعات مهما كثرت، وأن يعتبرها قليلة جدا في حقه سبحانه وتعالى:
(الملائكة) وإنهم على مكانهم منك، ومنزلتهم عندك، واستجماع أهوائهم فيك، وكثرة طاعتهم لك، وقلة غفلتهم عن أمرك، لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك لحقروا أعمالهم، ولزروا على أنفسهم، ولعرفوا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك، ولم يطيعوك حق طاعتك (خ 109).
(المتقون) لا يرضون من أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير (خ 193).
(الملائكة) ولا تركت لهم استكانة الاجلال نصيبا في تعظيم حسناتهم... لم
(٣٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 ... » »»