الغضب الإلهي سينال القوم لظلمهم كما ذكره الله بقوله بعد ذلك: " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا " (1) ويعرف بما تقدم وجوه من الأدب في كلامه.
ومن دعائه (عليه السلام) - وهو في معنى الدعاء على قومه إذ قالوا له حين أمرهم بدخول الأرض المقدسة: " يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " (2) - ما حكاه الله تعالى بقوله: " قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين " (3).
وقد أخذ (عليه السلام) بالأدب الجميل حيث كنى عن الإمساك عن أمرهم وتبليغهم أمر ربهم ثانيا بعد ما جبهوا أمره الأول بأقبح الرد وأشنع القول بقوله: " رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي " أي لا يطيعني فيما أمرته إلا نفسي وأخي أي إنهم ردوا علي بما لا مطمع فيهم بعده، فها أنا أكف عن أمرهم بأمرك وإرشادهم إلى ما فيه صلاح جماعتهم.
وإنما نسب ملك نفسه وأخيه إلى نفسه لأن مراده من الملك بقرينة المقام ملك الطاعة، ولو كان هو الملك التكويني لم ينسبه إلى نفسه إلا مع بيان أن حقيقته لله سبحانه، وإنما له من الملك ما ملكه الله إياه. ولما عرض لربه من نفسه الإمساك واليأس عن إجابتهم إليه أحال الحكم في ذلك فقال: " فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ".
ومن ذلك ما دعا به شعيب (عليه السلام) على قومه إذ قال: " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين " (4).
وهذا استنجاز منه للوعد الإلهي بعد ما يئس من نجاح دعوته فيهم، ومسألة للقضاء بينه وبينهم بالحق على ما قال الله تعالى: " ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون " (5).