كان (عليه السلام) - على ما يقصه القرآن - قد سأل ربه أن ينزل على قومه العذاب فأجابه إلى ذلك فأخبرهم به، فلما أشرف عليهم العذاب بالنزول تابوا إلى ربهم فرفع عنهم العذاب، ولما شاهد يونس ذلك ترك قومه وذهب لوجهه حتى ركب السفينة، فاعترضها حوت فساهمهم في أن يدفعوا الحوت بإلقاء رجل منهم إليه ليلتقمه وينصرف عن الباقين، فخرجت القرعة باسمه فالقي في البحر فالتقمه الحوت، فكان يسبح الله في بطنه إلى أن أمره الله أن يلقيه إلى ساحل البحر، ولم يكن ذلك إلا تأديبا إلهيا يؤدب به أنبياءه على حسب ما يقتضيه مختلف أحوالهم، وقد قال تعالى: " فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " (1) فكان حاله في تركه العود إلى قومه، وذهابه لوجهه يمثل حال عبد أنكر على ربه بعض عمله فغضب عليه فأبق منه وترك خدمته وما هو وظيفة عبوديته، فلم يرتض الله له ذلك فأدبه، فابتلاه وقبض عليه في سجن لا يقدر فيه أن يتوسع قدر أنملة في ظلمات بعضها فوق بعض فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
ولم يكن ذلك كله إلا لأن يتمثل له على خلاف ما كان يمثله حاله أن الله سبحانه قادر على أن يقبض عليه ويحبسه حيث شاء، وأن يصنع به ما شاء فلا مهرب من الله سبحانه إلا إليه، ولذلك لقنه الحال الذي تمثل له وهو في سجنه من بطن الحوت أن يقر لله: بأنه هو المعبود الذي لا معبود غيره، ولا مهرب عن عبوديته فقال: " لا إله إلا أنت " ولم يناده تعالى بالربوبية، وهذا أوحد دعاء من أدعية الأنبياء (عليهم السلام) لم يصدر باسم الرب.
ثم ذكر ما جرى عليه الحال من تركه قومه إثر عدم إهلاكه تعالى إياهم بما أنزل عليهم من العذاب، فأثبت الظلم لنفسه ونزه الله سبحانه عن كل ما فيه شائبة الظلم والنقص فقال: " سبحانك إني كنت من الظالمين ".
ولم يذكر مسألته - وهي الرجوع إلى مقامه العبودي السابق - عدا لنفسه دون