نعم لو كان الأمر على ضرب من الأهمية القاضية بزيادة الاهتمام به أو خرج العبد المأمور عن حكم الفطرة وزي العبودية جاز بحكم آخر من قبل الفطرة أن يوجه المولى أو كل من بيده الأمر إليه من الحكم ما هو خارج عن سعته المعتادة، كأن يأمره بالاحتياط بمجرد الشك، واجتناب النسيان والخطأ إذا اشتد الاهتمام بالأمر، نظير وجوب الاحتياط في الدماء والفروج والأموال في الشرع الإسلامي، أو يحمل عليه الكلفة ويزيد في التضييق عليه كلما زاد في اللجاج وألح في المسألة، كما أخبر الله بنظائر ذلك في بني إسرائيل.
وكيف كان فقوله: " لا يكلف الله نفسا " إما ذيل كلام النبي (صلى الله عليه وآله) وإنما قالوه تقدمة لقولهم: " ربنا لا تؤاخذنا... الخ " ليجري مجرى الثناء عليه تعالى ودفعا لما يتوهم أن الله سبحانه يؤاخذ بما فوق الطاقة ويكلف بالحرجي من الحكم، فيندفع بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وأن الذي سألوه بقولهم: " ربنا لا تؤاخذنا... الخ " إنما هو الأحكام بعناوين ثانوية ناشئة من قبل الحكم أو من قبل المكلفين بالعناد لا من قبله تعالى.
وإما كلام له تعالى موضوع بين فقرتين من دعائهم المحكي في كلامه أعني قولهم: " غفرانك ربنا... الخ " وقولهم: " ربنا لا تؤاخذنا... الخ " ليفيد ما مر من الفائدة ويكون تأديبا وتعليما لهم منه تعالى فيكون جاريا مجرى كلامهم لأنهم مؤمنون بما أنزل الله، وهو منه، وعلى أي حال فهو مما يعتمد عليه كلامهم ويتكئ عليه دعاؤهم.
ثم ذكر بقية دعائهم وإن شئت فقل: طائفة أخرى من مسائلهم: " ربنا لا تؤاخذنا... الخ " " ربنا ولا تحمل علينا إصرا... الخ " " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا " وكأن مرادهم به العفو عما صدر منهم من النسيان والخطأ وسائر موجبات الحرج " واغفر لنا وارحمنا " في سائر ذنوبنا وخطيئاتنا، ولا يلزم من ذكر المغفرة هاهنا التكرار بالنظر إلى قولهم سابقا: " غفرانك ربنا " لأنها كلمة حكيت عنهم لفائدة قياس حالهم وأدبهم مع ربهم إلى أهل الكتاب في معاملتهم مع