سنن النبي (ص) - السيد الطباطبائي - الصفحة ٧٢
من أمر مريم ابنة عمران في زهدها وعبادتها، وما أكرمها الله سبحانه به من أدب العبودية، وخصها به من كرامة الرزق من عنده على ما يقصه الله تعالى في سورة آل عمران قال تعالى: " وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب * هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " (1).
فغشيه شوق شديد إلى ولد طيب صالح يرثه ويعبد ربه عبادة مرضية كما ورثت مريم ابنة عمران وبلغت جهدها في عبادة ربها ونالت منه الكرامة، غير أنه وجد نفسه وقد نال منه الشيب وانهدت منه القوى، وكذلك امرأته وقد كانت عاقرة في سني ولادتها، فأدركته من حسرة الحرمان من نعمة الولد الطيب الرضي ما الله أعلم به، لكن لم يملك نفسه مما هاج فيه من الغيرة الإلهية والاعتزاز بربه دون أن رجع إلى ربه وذكر له ما يثور به الرحمة والحنان من حاله أنه لم يزل عالقا على باب العبودية والمسألة منذ حداثة سنه حتى وهن عظمه واشتعل رأسه شيبا، ولم يكن بدعائه شقيا، وقد وجده سبحانه سميع الدعاء فليسمع دعاءه وليهب له وارثا رضيا.
والدليل على ما ذكرنا أنه إنما سأل ما سأل بما ملك نفسه من هيجان الوجد والحزن ما حكاه الله تعالى عنه بعد ما أوحى إليه بالاستجابة بقوله: " قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا * قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا " (2) فإنه ظاهر في أنه (عليه السلام) لما سمع الاستجابة صحا عن حاله وأخذ يتعجب من غرابة المسألة والإجابة حتى سأل ربه عن ذلك في صورة الاستبعاد وسأل لنفسه عليه آية فأجيب إليها أيضا.
وكيف كان فالذي استعمله (عليه السلام) في دعائه من الأدب هو ما ساقه إليه حال الوجد والحزن الذي ملكه، ولذلك قدم على دعائه بيان ما بلغ به الحال في سبيل

(١) آل عمران: ٣٧ و ٣٨.
(٢) مريم: ٨ و 9.
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة 5
2 مقدمة ثانية 33
3 كلام في معنى الأدب 35
4 مقدمة العلامة الطباطبائي (قدس سره) 92
5 الباب الأول: في شمائله وجوامع أخلاقه (صلى الله عليه وآله) (49 حديثا) 95
6 الباب الثاني: في معاشرته (صلى الله عليه وآله) مع الناس (36 حديثا) 115
7 الملحقات (106 أحاديث) 126
8 الباب الثالث: في النظافة وأحكام الزينة (34 حديثا) 145
9 الملحقات (21 حديثا) 153
10 الباب الرابع: في السفر وآدابه (11 حديثا) 159
11 الملحقات (22 حديثا) 165
12 الباب الخامس: في آداب اللباس وما يتعلق به (18 حديثا) 171
13 الملحقات (16 حديثا) 179
14 الباب السادس: سننه (صلى الله عليه وآله) في المساكن (5 أحاديث) 183
15 الملحقات (16 حديثا) 187
16 الباب السابع: في آداب النوم والفراش (3 أحاديث) 191
17 الملحقات (10 أحاديث) 195
18 الباب الثامن: في آداب النكاح والأولاد (9 أحاديث) 199
19 الملحقات (32 حديثا) 203
20 الباب التاسع: في الأطعمة والأشربة وآداب المائدة (52 حديثا) 211
21 الملحقات (48 حديثا) 225
22 الباب العاشر: في آداب الخلوة ولواحقها (9 أحاديث) 233
23 الملحقات (7 أحاديث) 239
24 الباب الحادي عشر: في الأموات وما يتعلق بها (11 حديثا) 243
25 الملحقات (22 حديثا) 249
26 الباب الثاني عشر: في آداب المداواة (3 أحاديث) 255
27 الملحقات (11 حديثا) 259
28 الباب الثالث عشر: في السواك (7 أحاديث) 263
29 الملحقات (5 أحاديث) 267
30 الباب الرابع عشر: في آداب الوضوء (8 أحاديث) 269
31 الملحقات (6 أحاديث) 275
32 الباب الخامس عشر: في آداب الغسل (6 أحاديث) 279
33 الملحقات (3 أحاديث) 283
34 الباب السادس عشر: في آداب الصلاة (60 حديثا) 285
35 الملحقات (74 حديثا) 303
36 الباب السابع عشر: في آداب الصوم (17 حديثا) 317
37 الملحقات (17 حديثا) 323
38 الباب الثامن عشر: في آداب الاعتكاف (3 أحاديث) 327
39 الباب التاسع عشر: في الصدقة (3 أحاديث) 331
40 الملحقات (6 أحاديث) 335
41 الباب العشرون: في قراءة القرآن (8 أحاديث) 339
42 الملحقات (15 حديثا) 345
43 الباب الحادي والعشرون: في الدعاء وآدابه (59 حديثا) 349
44 الملحقات (52 حديثا) 371
45 ملحقات في الحج (12 حديثا) 391
46 ملحقات في النوادر (18 حديثا) 395
47 ملحقات باب الشمائل (81 حديثا) 399