في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء - إلى أن قال: - ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين * قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإن لا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين " (1).
لا ريب أن الظاهر من قول نوح (عليه السلام) أنه كان يريد الدعاء لابنه بالنجاة، غير أن التدبر في آيات القصة يكشف الغطاء عن حقيقة الأمر بنحو آخر.
فمن جانب أمره الله بركوب السفينة هو وأهله والمؤمنون بقوله: " احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن " (2) فوعده بإنجاء أهله واستثنى منهم من سبق عليه القول، وقد كانت امرأته كافرة كما ذكرها الله في قوله: " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط " (3) وأما ابنه فلم يظهر منه كفر بدعوة نوح، والذي ذكره الله من أمره مع أبيه وهو في معزل إنما هو معصية بمخالفة أمره (عليه السلام) وليس بالكفر الصريح، فمن الجائز أن يظن في حقه أنه من الناجين، لظهور كونه من أبنائه وليس من الكافرين، فيشمله الوعد الإلهي بالنجاة.
ومن جانب قد أوحى الله تعالى إلى نوح (عليه السلام) حكمه المحتوم في أمر الناس كما قال: " وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون * واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " (4) فهل المراد بالذين ظلموا الكافرون بالدعوة أو يشمل كل ظلم أو هو مبهم مجمل يحتاج إلى تفسير من لدن قائله تعالى؟
فكأن هذه الأمور رابته (عليه السلام) في أمر ابنه ولم يكن نوح (عليه السلام) بالذي يغفل من مقام ربه، وهو أحد الخمسة اولي العزم سادات الأنبياء، ولم يكن لينسى وحي ربه: