النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٩٧
ما صلوا " (937).
والصحاح في هذا المعنى متواترة، ولا سيما من طرق العترة الطاهرة.

(٩٣٧) صحيح مسلم ج ٦ / ٢٢ ط مشكول و ج ٢ / ١٣٧ ط الحلبي و ج ١٢ / ٢٤٢ ط مصر بشرح النووي.
الخلافة والعدالة:
هذا الحديث والأحاديث الأربعة التي قبله لا يمكن قبولها ويشك في صحتها كبقية الأحاديث المدعاة على هذا الطراز ومن هذا المعنى كما في سنن البيهقي ج ٨ / ١٥٩.
فإن هذه الأحاديث مخالفة لروح الدين الاسلامي وللعدالة الإسلامية التي اشترطت في الخليفة بالاجماع قال القاضي عبد الرحمن الإيجي الشافعي المتوفى ٧٥٦ ه‍ في كتابه المواقف في شرائط الإمام " يجب أن يكون عدلا لئلا يجور "، وقال أبو الثناء في مطالع الأنظار ص ٤٧٠ في صفات الأئمة. " الرابعة: أن يكون الإمام عدلا لأنه متصرف في رقاب الناس وأموالهم وأبضاعهم فلو لم يكن عدلا لا يؤمن تعديه. " الخ. وراجع تفسير القرطبي ج ١ ص ٢٣١ و ٢٣٢.
الحديث للسياسة:
بعد رحلة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى قام المنافقون وخدام السلاطين ووعاظهم بوضع الحديث لصالحهم كما وقع في عهد الخليفة الثالث وبعدها تطور الوضع وكثر في عهد معاوية بن أبي سفيان فصار طلاب الدنيا يضعون عشرات الأحاديث في فضائله وفضائل بني أمية ويضعون الذم لأعدائه. راجع الغدير ج ٩ / ٢٦٤ - ٣٩٦ و ج ١٠ و ١١، أضواء على السنة المحمدية ص ١٢٦ - ١٣٤. وقال أبو جعفر الإسكافي فيما نقله عنه ابن أبي الحديد أن معاوية حمل قوما من الصحابة، وقوما التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله فاختلقوا له ما أرضاه (قال) منهم: أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير ".
وفي دولة بني العباس لم يكن وضع الحديث أقل من الدور الذي كان في عهد الدولة الأموية فقد وضع الوضاعون الحديث في فضائل بني العباس وأخبار النبي بدولتهم راجع: أضواء على السنة المحمدية ص ١٣٥.
وهذه الأحاديث الخمسة وما شاكلها في الحقيقة قد وضعتها يد السياسة ومصلحة الملوك والأمراء وتدعو إلى تأييدهم ودعمهم أو على الأقل إلى الغض عنهم مهم صدر منهم من جرائم وانحراف عن الإسلام الحقيقي ما دام يقيمون الصلاة الشكلية أو حتى لو لم يقيموها وهذا ما لا يقره الإسلام ولا يرضى به، وبنشر هذه الروايات " تمكن معاوية بن أبي سفيان من أن يجلس بالكوفة للبيعة ويبايعه الناس على البراءة من علي بن أبي طالب " البيان والتبيين للجاحظ ج ٢ / ٨٥.
وتمكن يزيد الفجور والكفر أن يكون أميرا على المسلمين وخليفة لهم كما تمكن بنو أمية وبنو العباس من إقامة دولتيهما وادعاء الخلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله وجر ذلك على الأمة الويلات والمصائب.
ولنأخذ لذلك مثالا في لمحة خاطفة إلى شخصية قد عاشت في صدر الإسلام وصحبت النبي صلى الله عليه وآله حقبة من الزمن وكيف أنها تلونت بمختلف الأحوال ألا ذلك هو الراوي المشهور عبد الله بن عمر.
عبد الله بن عمر والبيعة:
ابن عمر من الأشخاص الذين تخلفوا عن بيعة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام محتجا بعدم الإجماع على بيعته كما زعمه له ابن حجر في فتح الباري ج ٥ / ١٩ و ج ١٣ / ١٦٥. ولكن الصحيح أن السبب في عدم بيعته للإمام أمير المؤمنين هو نفس السبب الذي كان عند والده وما يحمله أبوه من نفسية اتجاه الإمام علي (ع). وإلا فهل حصل إجماع على بيعة أبي بكر؟ ألم يتخلف عنها بنو هاشم وعلى رأسهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وجملة من الصحابة كعمار وأبي ذر والمقداد وسعد بن عبادة وغيرهم؟ ثم كسروا سيف الزبير لتخلفه ولببوا الإمام علي عليه السلام بحمائل سيفه وأكرهوه على البيعة وألا يقتل وهل حصل إجماع على البيعة لأبيه عمر؟ فيا عجبا بين هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته.
ابن عمر يبايع ليزيد:
وبينما ابن عمر يتقاعس عن البيعة لإمام الحق يقوم بعد فترة من الزمن بالبيعة لأخس خلق الله على وجه الأرض وهو يزيد بن معاوية يزيد الخمور والفجور والكفر والالحاد فبايعه إزاء مائة ألف قدمها معاوية إليه. في حال حياته. ولما انتشر الحاده للمجتمع وما فعل من أعمال منكرة وفي مقدمتها قتل سيد شباب أهل الجنة سبط الرسول وقرة عين الرسول صلى الله عليه وآله. وقام أهل المدينة بخلع بيعة يزيد وقف ابن عمر في قبالهم وصار يصف لهم الأحاديث لأجل دعم جرائم يزيد وأفعاله بهذه الأحاديث:
روى البخاري وغيره: عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه ومواليه. وفي رواية سليمان: حشمه وولده وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة ". وزاد الزهري: وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن تبايع رجلا على بيعة الله ورسوله ثم تنصب له القتال وإني لا أعلم أحدا منكم خلع ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه ". صحيح البخاري ج ١ / ١٦٦، سنن البيهقي ج ٨ / ١٥٩، مسند أحمد ج ٢ / ٩٦.
وقعة الحرة وابن عمر:
غار يزيد على المدينة المنورة وأباحها ثلاثة أيام حتى افتضت أكثر من ألف بنت باكر وولدت أكثر من ألف امرأة من غير زوج وقتل أكثر من سبعمائة من حملة القرآن من الصحابة والتابعين من المهاجرين والأنصار وأكثر من عشرة آلاف من سائر الناس وفيهم النساء والصبيان في هذه الواقعة مع هذا يأتي ابن عمر ليحدث بحديث ليدعم موقف يزيد ويبرر جرائمه. فقد روى مسلم ج 6 / 22 عن نافع: قال جاء عبد الله ابن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال: إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ".
وبناء على ذلك فقد بايع سفاك الدماء في العراق الحجاج ببيعة هي الذلة والهوان حيث مد ابن عمر يده ليبايع الحجاج فمد الحجاج رجله إليه وبايعه بها.
وهكذا في عصرنا الحاضر اتخذ سلاطين وشياطين الجور والفجور هذه الروايات مدركا لتسلطهم على الشعوب الإسلامية وسفك دمائهم وبيع ثرواتهم إلى الاستكبار العالمي وصاروا أداة قمع للكافر الأجنبي مثل الانكليز والامريكان والشيوعية ومن يدور في فلكهم.
والعلاج أن تعي الشعوب إسلامها وتعرف مسؤليتها وذلتها وعزتها لتقوم بواجبها وتثأر لكرامتها واسلامها وتقيم حكم الله في الأرض ليعم العدل الاجتماعي والسعادة الأبدية.
(٥٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 590 591 592 593 594 595 596 597 600 601 602 » »»