النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٩٠
احتاجت إلى هذه المقدمات كلها؟ وما الغاية التي توخاها في هذا الموقف المشهود؟ وما الشئ الذي أمره الله تعالى بتبليغه إذ قال عز من قائل: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) وأي مهمة استوجبت من الله هذا التأكيد، واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه التهديد؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه؟ ويحتاج إلى عصمة الله من أذى المنافقين ببيانه؟
أكنتم - بجدك لو سألكم عن هذا كله - تجيبونه بأن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله إنما أرادا بيان نصرة علي للمسلمين، وصداقته لهم ليس إلا؟ ما أراكم ترتضون هذا الجواب، ولا أتوهم أنكم ترون مضمونه جائزا على رب الأرباب، ولا على سيد الحكماء، وخاتم الرسل والأنبياء، وأنتم أجل من أن تجوزوا عليه أن يصرف هممه كلها، وعزائمه بأسرها، إلى تبيين شئ بين لا يحتاج إلى بيان، وتوضيح أمر واضح بحكم الوجدان والعيان، ولا شك أنكم تنزهون أفعاله وأقواله عن أن تزدري بها العقلاء، أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء، بل لا ريب في إنكم تعرفون مكانة قوله وفعله من الحكمة والعصمة، وقد قال الله تعالى: (انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون) فيهتم بتوضيح الواضحات، وتبيين ما هو بحكم البديهيات، ويقدم لتوضيح هذا الواضح مقدمات أجنبية لا ربط له بها، ولا دخل لها فيه، تعالى الله عن ذلك ورسوله علوا كبيرا، وأنت - نصر الله بك الحق - تعلم أن الذي يناسب مقامه واهتمامه
(٥٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 585 586 587 588 589 590 591 592 593 594 595 ... » »»