ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أنزلت " وجئ يومئذ بجهنم " لم يستطع أحد أن يكلمه لشدة خشيته حتى قام إليه أخوه فقبل رأسه وسأله الخبر وقاله له:
قد أتاني جبرئيل بهذه الآية مع أنه العالم بأنه الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر المشفع يوم القيامة في الأنبياء والملائكة والرسل، كما ورد في الحث على التوسل بمحمد وعلى عليهما السلام.
ففي الخبر فان يوم القيامة لا أحد إلا وهو محتاج إلى هذين من نبي مرسل أو ملك مقرب، وشدة خشية الرسول وخشية أخيه مشهورة، حتى أنه إذا صلى تغيب عنه نفسه المقدسة، فقد رئي في بعض المواقف ساجدا فسكن أنينه، فحرك فإذا ليس به حراك، فأتى الناعي إلى فاطمة يعزيها فيه، فقالت: ليس هذا أوان أجله لكن على أي حالة هو؟ فقال: قضى وهو ساجد، فقالت: اذهب فهذه عادته، فكيف بمن عصى الله بقلبه ولسانه ويديه ورجليه وبطنه وفرجه وجميع جوارحه.
والذي أعتمده لنفسي من الوصية ولك عموما وخصوصا فما هو على العموم تقوى الله ومعناه أن تتقيه اتقاء من علم أنه عالم بأن مابك من نعمة فمنه، وأنك متوصل بها إلى غير ما يرضيه، وأنه قادر على نزعك إياها، وعلى أن يستبدل بك غيرك، وتقوى من علم أن عمل أهل السماوات والأرض لا يفي بنعمته، ولا ما أعد لطائعه من جنته.
فإن لم يقدح في نفسك ذلك فعالجا بالحب فان من أحسن إليك من المخلوقين ولو بالبشاشة وحن إليك أحببته بطبعك، تجده قطعا، فانظر لنفسك هل تجد حب الله تعالى فيك، فإن لم تجده فاعلم أنك لست ممن آمن به، لأنه تعالى يقول:
" يحبونهم كحب الله " إشارة إلى المشركين، فأخبر أنهم يحبون الله أشد الحب لكن يحبون الأنداد كحبه، ثم قال: " والذين آمنوا أشد حبا الله " وليس أن لأنهم لا يحبون أحدا محبته تعالى، وذلك هو الحق اليقين، فان من أحسن و أساء يحب لاحسانه، فكيف من أحسن ولم يسئ، وما ظنك به إذا كان هو المالك للذات وتوابعها، وأنه المرجع والمآل، والوارث، وأنه الذي لاغناء بشئ عنه،