رسائل الشهيد الثاني (ط.ق) - الشهيد الثاني - الصفحة ١٥٨
هنيئة وتسيغها هنيئا في عافية وكم تنظر بعينك هنيئا وتسمع طيبا وتشم زكيا و تمشى إلى ما تحب وتبطش بيدك فيما تحب إلى غير ذلك من حواسك وأعضائك وقواك الباطنة التي لا يطلع على دقايقها و تصريفها الا الله تعالى من مجارى طعامك وتصاريف هضمك وتفريق فضلاتك وتغذيك بجيده مما لو صرفت زمانك في الفكر فيه خاصة لقضيت منه العجب ولو فقدت شيئا يسيرا منه وطلب منك طبيب على أن يرده إليك ويصلحه لك خدمتك له سنة أو أكثر لسررت بذلك وعددته منعما عليك وكم تقابل هذه النعم المتعددة بسنين من الخدمة والحال انك لاتحذم مولاك المنعم الا أوقات قليلة بعبادة لو تأملتها وعرفت عيوبها وآفاتها لو تثق بشئ منها ولا استحييت من فعلها وقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها فالنعم عليك لا تحصى وعملك على تقدير سلامته وقبوله قليل يحصى فكيف يقابل مالا يحصى ثم إذا قابله بقيت خاليا من عمل يوجب لك المكافات فقصاراك الاعتراف بالتقصير وشرفك المراقبة لله تعالى وتذكر المنة والاعتراف بالنعمة والإزراء بنفسك والمقت لها لعلك نفوز برحمة الله تعالى فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله من مقت نفسه دون مقت الناس امنه الله من فزع يوم القيمة وروى أن عابدا عبد الله سبعين عاما صائما نهاره قائما ليله فطلب إلى الله تعالى حاجة فلم تقض فاقبل على نفسه وقال من قبلك أتيت لو كان عندك خير قضيت حاجتك فأنزل الله إليه ملكا فقال يا ابن ادم ساعتك التي أزريت فيها على نفسك خير من عبادتك التي مضت ثم تأمل بعد ذلك ثلثة أمور أحدها لو أن ملكا من ملوك الدنيا إذا اجرى على أحد من اتباعه طعاما وكسوة أو دارهم أو دنانير فانية فإنه يستخدمه لأجلها بضروب الخدم اناء الليل و النهار مع ما في ذلك من الذل والصغار وبعضهم يقوم لذلك على رأسه ويسهر الليل
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست