رسائل الشهيد الثاني (ط.ق) - الشهيد الثاني - الصفحة ١٥٩
بأجمعه لأجله وبعضهم يقف في خدمته يوما بعد يوم حتى ينقضى عمره وبعضهم يسعى في حوائجه ومهماته وبعضهم يركب الأهوال ولجج البحار لأجله وربما يبدو له عدو فيبذل روحه التي لأخلف عنها لأجله ولا ينفعه في الآخرة بعد ذلك فتراهم يحتملون كل هذه الخدمة لأجل تلك المنفعة الخسيسة الفانية ومع ذلك يعترفون للملك بالنعمة ويقرون له بالفضل عليهم والمنة مع أن تلك المنفعة في الحقيقة من الله تعالى ولو أراد ملكهم ان ينبت لهم حبة واحدة أو يخلق لهم خيطا واحدا لم يقدر على ذلك وهم يعترفون بذلك كله فكيف تستكثر عملك الحقير المشوب بالآفات والنقايص لربك الذي خلقك ولم تك شيئا مذكورا ثم رباك وانعم عليك من النعم الظاهرة والباطنة في نفسك ودينك ودنياك ما لا يبلغ كنهه فهمك ولا وهمك كما قال الله تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وقد وعدت على هذا العمل القليل مع ما فيه من المعايب والآفات و بالثواب العظيم الدائم وضروب الكرامات فاستعظام ذلك من شأن العاقل وثانيها ان تتفكر في أن الملك الذي من شانه ان يخدمه الملوك والألم إذا اذن في ادخال الهدايا إليه ووعد عليها بالعطاء العظيم وامر ان لا يستحيى أحد بهديته ولو كانت طاقة بقل فدخلت عليه الامراء والكبراء والرؤساء والأغنياء بأنواع الهدايا من الجواهر الثمينة والهدايا النفيسة ثم جاء يقال إليه بطاقة بقل وقروي وبسلة عنب تساوى درهما أو حبة فدخل بها إلى حضرته وزاحم أولئك الأكابر بهداياهم الجليلة فقبل الملك من الوضيع هديته ونظر إليها نظر القبول وامر له بأنفس خلعة وكرامة تبلغ مائة ألف دينار الا ذلك منه غاية الفضل والكرم ثم لو فرض ان هذا الفقير نظر بخاطره إلى هديته واستعظم أمرها وتعجب بها ونسى ذكر منة الملك لا يكون ذلك الا يقال هذا مجنون ومضطرب العقل أو سفيه سئ الأدب عظيم الجهل وثالثها ان
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست