يحجبهم عني الموت ولا يمنعهم البلى عن صحبتي ولا يشتمل بهم الامتناع عن صحبتي (1) ولا يفردوني إن مت، ولا يسلموني إن عشت، ويدفعون عني ما عجزتم عنه من أمر الموت.
قالوا: أيها الملك ومن هؤلاء الذين وصفت؟ قال: هم الذين أفسدتهم باستصلاحكم، قالوا: أيها الملك أفلا تصطنع عندنا وعندهم معروفا فإن أخلاقك تامة ورأفتك عظيمة؟ قال: إن في صحبتكم إياي السم القاتل، والصمم والعمى في طاعتكم، والبكم في موافقتكم، قالوا: كيف ذاك أيها الملك؟ قال: صارت صحبتكم إياي في الاستكثار وموافقتكم على الجمع، وطاعتكم إياي في الاغتفال فبطأتموني عن المعاد، وزينتم لي الدنيا، ولو نصحتموني ذكرتموني الموت، ولو أشفقتم علي ذكرتموني البلاء، وجمعتم لي ما يبقى، ولم تستكثروا لي ما يفنى، فإن تلك المنفعة التي ادعيتموها ضرر، وتلك المودة عداوة، وقد رددتها عليكم لا حاجة لي فيها منكم.
قالوا: أيها الملك الحكيم المحمود قد فهمنا مقالتك وفي أنفسنا إجابتك وليس لنا أن نحتج عليك فقد رأينا مكان الحجة، فسكوتنا عن حجتنا فساد لملكنا، وهلاك لدنيانا وشماتة لعدونا، وقد نزل بنا أمر عظيم بالذي تبدل من رأيك وأجمع عليه أمرك قال: قولوا: آمنين واذكروا ما بدا لكم غير مرعوبين فإني كنت إلى اليوم مغلوبا بالحمية والأنفة وأنا اليوم غالب لهما، وكنت إلى اليوم مقهورا لهما وأنا اليوم قاهر لهما، وكنت إلى اليوم ملكا عليكم فقد صرت عليكم مملوكا، وأنا اليوم عتيق وأنتم من مملكتي طلقاء، قالوا: أيها الملك ما الذي كنت مملوكا إذ كنت علينا ملكا، قال: كنت مملوكا لهواي مقهورا بالجهل مستعبدا لشهواتي فقد قطعت تلك الطاعة عني ونبذتها خلف ظهري، قالوا: فقل ما أجمعت أيها الملك؟
قال: القنوع والتخلي لآخرتي وترك هذا الغرور ونبذ هذا الثقل عن ظهري والاستعداد للموت، والتأهب للبلاء، فإن رسوله عندي قد ذكر أنه قد أمر بملازمتي والإقامة معي