والاحتفاظ، ولم أكن أخشى أن اراع معكم ولا أتخوف المنون على بنياني وأنتم عكوف مطيفون به فطرقت وأنتم حولي واتيت وأنتم معي، فلئن كان هذا ضعف منكم فما أخذت أمري بثقة وإن كانت غفلة منكم فما أنتم بأهل النصيحة ولا علي بأهل الشفقة، قالوا: أيها الملك أما شئ نطيق دفعه بالخيل والقوة فليس بواصل إليك إن شاء الله ونحن أحياء، وأما ما لا يرى فقد غيب عنا علمه وعجزت قوتنا عنه.
قال: أليس اتخذتكم لتمنعوني من عدوي، قالوا: بلي، قال: فمن أي عدو تحفظوني من الذي يضرني أو من الذي لا يضرني؟ قالوا: من الذي يضرك؟ قال: أفمن كل ضار لي أو من بعضهم؟ قالوا: من كل ضار، قال: فإن رسول البلى قد أتاني ينعى إلى نفسي وملكي ويزعم أنه يريد خراب ما عمرت وهدم ما بنيت وتفريق ما جمعت.
وفساد ما أصلحت وتبذير ما أحرزت وتبديل ما عملت وتوهين ما وثقت، وزعم أن معه الشماتة من الأعداء وقد قرت بي أعينهم فإنه يريد أن يعطيهم مني شفاء صدورهم وذكر أنه سيهزم جيشي ويوحش انسي ويذهب عزي ويؤتم ولدي ويفرق جموعي ويفجع بي إخواني وأهلي وقرابتي ويقطع أوصالي ويسكن مساكن أعدائي، قالوا:
أيها الملك إنما نمنعك من الناس والسباع والهوام ودواب الأرض، فأما البلاء فلا طاقة لنا به ولا قوة لنا عليه ولا امتناع لنا منه، فقال: فهل من حيلة في دفع ذلك مني؟ قالوا: لا، قال: فشئ دون ذلك تطيقونه؟ قالوا: وما هو؟ قال: الأوجاع والأحزان والهموم، قالوا: أيها الملك إنما قد قدر هذه الأشياء قوي لطيف وذلك يثور من الجسم والنفس وهو يصل إليك إذا لم يوصل ولا يحجب عنك وإن حجب (1) قال: فأمر دون ذلك، قالوا: وما هو؟ قال: ما قد سبق من القضاء.
قالوا: أيها الملك ومن ذا غالب القضاء فلم يغلب؟ ومن ذا كابره فلم يقهر؟
قال: فماذا عندكم؟ قالوا: ما نقدر على دفع القضاء، وقد أصبت التوفيق والتسديد فماذا الذي تريد، قال: أريد أصحابا يدوم عهدهم ويفوا لي وتبقى لي إخوتهم ولا