بعد ذلك، وقال المنجمون: قلنا ذلك من قبل استقامة الزهرة والمشتري، فنشأ الغلام بكبر لا يوصف عظمته، ومرح لا ينعت، وعدوان لا يطاق فعسف وجار وظلم في الحكم وغشم وكان أحب الناس إليه من وافقه على ذلك وأبغض الناس إليه من خالفه في شئ من ذلك، واغتر بالشباب والصحة والقدرة والظفر والنظر فامتلأ سرورا وإعجابا بما هو فه ورأي كلما يحبه وسمع كلما اشتهى حتى بلغ اثنين و ثلاثين سنة، ثم جمع نساء من بنات الملوك وصبيانا والجواري والمخدرات وخيله المطهمات العناق (1) وألوان مراكبه الفاخرة ووصائفه وخدامه الذين يكونون في خدمته فأمرهم أن يلبسوا أجد ثيابهم ويتزينوا بأحسن زينتهم وأمر ببناء مجلس مقابل مطلع الشمس، صفائح أرضه الذهب مفضضا بأنواع الجواهر، طوله مائة وعشرون ذراعا وعرضه ستون ذراعا مزخرفا سقفه وحيطانه، قد زين بكرائم الحلي وصنوف الجوهر واللؤلؤ النظيم وفاخره، وأمر بضروب الأموال فأخرجت من الخزائن ونضدت سماطين (2) أمام مجلسه، وأمر جنوده وأصحابه وقواده وكتابه وحجابه وعظماء أهل بلاده وعلمائهم فحضروا في أحسن هيئتهم وأجمل جمالهم وتسلح فرسانه وركبت خيوله في عدتهم، ثم وقفوا على مراكزهم ومراتبهم صفوفا وكراديس، وإنما أراد بزعمه أن ينظر إلى منظر رفيع حسن تسر به نفسه وتقر به عينه، ثم خرج فصعد إلى مجلسه فأشرف على مملكته فخروا له سجدا، فقال لبعض غلمانه:
قد نظرت في أهل مملكتي إلى منظر حسن وبقي أن أنظر إلى صورة وجهي فدعا بمرآة فنظر إلى وجهه فبينا هو يقلب طرفه فيها إذ لاحت له شعرة بيضاء من لحيته كغراب أبيض بين غربان سود، واشتد منها ذعره وفزعه (3) وتغير في عينه حاله وظهرت الكآبة والحزن في وجهه وتولى السرور منه.
ثم قال في نفسه: هذا حين نعي إلى شبابي وبين لي أن ملكي في ذهاب وأوذنت