خلقان من خلقان المزبلة، متكئ على متكاء قد هيأه من الزبل، وبين يديه إبريق فخار، فيه شراب وفي يده طنبور، يضرب بيده وامرأته في مثل خلقه ولباسه قائمة بين يديه تسقيه إذا استسقى منها، وترقص له إذا ضرب، وتحييه بتحية الملوك، كلما شرب وهو يسميها سيدة النساء، وهما يصفان أنفسهما بالحسن والجمال وبينهما من السرور والضحك والطرب مالا يوصف، فقام الملك على رجليه مليا والوزير ينظر كذلك ويتعجبان من لذتهما وإعجابهما بما هما فيه، ثم انصرف الملك والوزير فقال الملك: ما أعلمني وإياك أصابنا الدهر من اللذة والسرور والفرح مثل ما أصاب هذين الليلة مع أني أظنهما يصنعان كل ليلة مثل هذا، فاغتنم الوزير ذلك منه، ووجد فرصة فقال له: أخاف أيها الملك أن يكون دنيانا هذه من الغرور، ويكون ملكك وما نحن فيه من البهجة والسرور في أعين من يعرف الملكوت الدائم مثل هذه المزبلة، ومثل هذين الشخصين اللذين رأيناهما، وتكون مساكننا وما شيدنا منها عند من يرجو مساكن السعادة وثواب الآخرة مثل هذا الغار في أعيننا، وتكون أجسادنا عند من يعرف الطهارة والنضارة والحسن والصحة مثل جسد هذه المشوه الخلق في أعيننا، ويكون تعجبهم عن إعجابنا بما نحن فيه كتعجبنا من إعجاب هذين الشخصين بما هما فيه.
قال الملك وهل تعرف لهذه الصفة أهلا؟ قال الوزير: نعم، قال الملك:
من هم؟ قال الوزير: أهل الدين الذين عرفوا ملك الآخرة ونعيمها فطلبوه، قال الملك: وما ملك الآخرة؟ قال الوزير هو النعيم الذي لا بؤس بعده، والغنى الذي لا فقر بعده، والفرح الذي لا ترح بعده، والصحة التي لا سقم بعدها، والرضى الذي لا سخط بعده، والامن الذي لا خوف بعده، والحياة التي لا موت بعدها، والملك الذي لا زوال له، التي هي دار البقاء ودار الحيوان، التي لا انقطاع لها، ولا تغير فيها، رفع الله عز وجل عن ساكنيها فيها السقم والهرم والشقاء والنصب والمرض والجوع والظمأ والموت، فهذه صفة ملك الآخرة وخبرها أيها الملك.