أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم، واعتزام من الفتن، وانتشار من الأمور وتلظ من الحروب، [و] الدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها، واغورار من مائها، قد درست أعلام الهدى، وظهرت أعلام الردى، فهي متجهمة لأهلها، عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارها الخوف، ودثارها السيف.
فاعتبروا عباد الله! واذكروا تيك التي آباؤكم وإخوانكم بها مرتهنون وعليها محاسبون، ولعمري ما تقادمت بكم ولا بهم العهود، ولا خلت فيما بينكم وبينهم الأحقاب والقرون، وما أنتم اليوم من يوم كنتم في أصلابهم ببعيد. والله ما أسمعكم الرسول صلى الله عليه وآله شيئا إلا وها أنا ذا اليوم مسمعكموه، وما أسماعكم اليوم بدون أسماعكم بالأمس، ولا شقت لهم الأبصار وجعلت لهم الأفئدة في ذلك الأوان إلا وقد أعطيتم مثلها في هذا الزمان.
ووالله ما بصرتم بعدهم شيئا جهلوه، ولا أصفيتم به وحرموه، ولقد نزلت بكم البلية جائلا خطامها، رخوا بطانها، فلا يغرنكم ما أصبح فيه أهل الغرور، فإنما هو ظل ممدود إلى أجل معدود.
بيان:
" فترة [من الرسل ": الفترة] بين الرسل انقطاع الوحي والرسالة.
والهجعة: النومة من الليل أو من أوله. والمراد نوم غفلة الأمم. والاعتزام: العزم، كأن الفتنة مصممة للفساد والهرج. والاعتزام أيضا: لزوم القصد في المشي، فالمعنى أنها مقتصدة في مشيها لاطمئنانها وأمنها.
ويروى [" واعترام من الفتن "] بالراء المهملة: أي كثرة [من الفتن.].
ويروى " [و] اعتراض " من اعترض الفرس في الطريق: إذا مشى عرضا.
والتلظي: التلهب. وفي إضافة الكسف إلى النور توسع. وغار الماء: ذهب وكذا اغوراره: ذهابه في الأرض. والتجهم: العبوس.